بين طفل التوحد والمرايا علاقة غريبة، فكما يحبّ عدد كبير من الأطفال المصابين بالتوحّد النظر الى المرآة، يتعلّقون أيضًا بأشخاص مقرّبين لهم.
كان الاعتقاد السائد منذ فترة طويلة أن الأطفال المصابين بالتوحد لا يتعلّقون بأحد. ويعود السبب الى أن هؤلاء الأطفال يظهرون اختلافات، بشكل رئيسي على المستويات الاجتماعيّة، اللّغويّة والسلوكيّة، ولكن أيضًا بسبب حساسيتهم للمس والروائح. وبالتالي، فإنّهم لا يرون الأشياء كما نراها نحن. فبعد أن شرحنا في مقال سابق عن أسباب التوحد عند الطفل وطرق التعامل معها، نُخصّص هذه المقالة للحديث عن التّعلّق لدى الطفل المصاب بالتوحّد، لماذا يتجنّب بعض الأمور وكيف نُشجّع الروابط معه.
تفسير أسباب بعض عوارض التوحّد
تحدّثنا في مقالات سابقة عن العلامات التي قد تدلّ على التوحّد لدى الأطفال من عمر مبكر، ولكن اذا توضّحت أسباب هذه التصرّفات، سيسهل التعامل معها. اليك توضيحات لبعض هذه السلوكيات:
- عدم النّظر في عيون الآخرين: معظم الأطفال المصابون بالتوحّد لا يرون في العيون سوى نقطتين باللّون الأسود، أي بؤبؤ العين، وقزحيتين بألوان مختلفة.
- إزاحة النّظر عن الوجه: يلاحظ الطفل التوحّدي الكثير من التفاصيل في وجه الإنسان، مثل طفح جلدي، شامة، غمازة… يُركّز أيضًا على شعر الحواجب والرموش، بالإضافة التغيرات الصغيرة في الوجه الناجمة عن تعابير الوجه. ونظرًا الى أنّه هناك العديد من العناصر التي يجب عليه ملاحظتها وفك تشفيرها، يتجنّب التعرّض لهذا الموقف غير المريح بالنسبة اليه.
- يفضّل الأطفال المصابون بالتوحد النظر إلى الأشياء في المرآة: منهم من يكتفون بالنظر إلى أنفسهم وبعضهم يديرونها أيضًا لرؤية الأشياء عبرها.
- الانزعاج من الاتّصال الجسدي: الأطفال المصابين بالتوحد الذين لديهم فرط الحساسية الحسيّة، يكرهون الاتصال الجسدي. إذ يشعرون بالأشياء أكثر من الأطفال الآخرين. كاعتبار اللّمسة البسيطة بمثابة قرصة.
مصدر الصورة: Freepik
تحليلات خاطئة حول التعلّق لدى أطفال التوحد
إنّ تصوّرات الأطفال المصابين بالتوحد، دفعت الناس إلى الاعتقاد بأن هؤلاء الأطفال لا ينخرطون في السلوكيات الاجتماعيّة لمجرّد أنهم يتجنّبون التواصل كالآخرين. وكان الاعتقاد السائد حينها أن التفضيلات التي طوروها تجاه أشخاص معينين من حولهم كانت نفعية فقط، وفضّلوهم ببساطة لأنهم يُلبّون احتياجاتهم.
ولكن الباحثون في مجال التوحد أدركوا مؤخّرًا أن الأطفال المصابون بالتوحّد أو بطيف التوحّد يتعلّقون بنفس الطريقة التي يتعلّق بها الأطفال غير المصابين بأشخاص معيّنين. ويشعرون بمزيد من الأمان لوجودهم. وعند شعورهم بالثقة تجاه شخص ما، يصبحون قادرين على استكشاف المزيد برفقته، ويصبح لديهم اليقين بأن هذا الشخص سيكون قادرًا على حمايتهم في حال وجود خطر، حقيقي أو من وحي تصوّراتهم. يمكنهم أيضًا اظهار الحزن لدى الابتعاد عن هذا الشخص وإظهار الفرح عند عودته حتّى اذا كان ذلك لا يتعدّى نظرة جانبية من بعيد.
فائدة خلق التعلّق مع طفلك
إنّ الأطفال الذين لديهم نوع من التعلّق أكثر قدرة على إعادة خلق هذا الأمان مع أشخاص آخرين. في البداية، سوف يقومون بتطوير هذا مع الأم، وصولًا الى إخوتهم ومعلميهم وأصدقائهم.
من الواضح أن تلبية الاحتياجات الأساسية، والتي تشمل الحاجة إلى الأمان الجسدي (المنزل، النوم، الطعام والشراب) والحاجة إلى الانتماء والحب، تعتبر أمرًا ضروريًا. كما يُعتبر وعي الأم عاملاً رئيسيًا وضروريًا في تطوير رابطة التعلّق الآمنة بينها وبين الطفل وتصبح أكثر قدرة على مراعاة احتياجات الطفل، من خلال تحديدها بشكل صحيح والاستجابة لها بالشكل المناسب.
مصدر الصورة: Freepik
نصائح لتشجيع التواصل مع مرضى التوحد
إليك بعض النصائح لتعزيز الرابطة الآمنة بينك وبين الطفل في هذا السياق:
- تعرّفي على الإشارات التي تبيّن عدم الراحة لدى طفلك. فعلى الرغم من أنها قد تكون مختلفة عن تلك الموجودة لدى الطفل غير المصاب. الّا أن معظم الأمهات ينجحن في فهم احتياجات أطفالهن وتطوير رابطة آمنة معهم.
- حاولي الاستجابة بسرعة لاحتياجات طفلك حتى يربط بين إظهار حاجته واستجابتك لها، ما يزيد شعوره بالسيطرة على بيئته وبالأمان.
- استخدمي اهتمامات طفلك لاختيار لعبة تجعله سعيدًا. إن الرابط بينكما يتطور كثيرًا من خلال اللعب.
- قفي على مستوى طفلك، سترين وجهه وتعبيراته بوضوح وستتمكنين من فك رموز عواطفه وأفكاره بسهولة أكبر.
- تحدثي ببطء واستخدمي جملًا قصيرة لمساعدة طفلك على الفهم. قومي بتسمية ما تفعلينه، وما تلاحظينه خلال اللعب مع طفلك مثلًا، فهذا سيساعده على استيعاب المفردات.
- امدحي طفلك وشجّعيه عندما يُظهر سلوكًا ايجابيًّا.
- امنحيه الوقت للرد على طلبك أو تعليقك، حتى لو كان غير لفظي. ولا شك أنك ستلاحظين حركة يد أو ابتسامة أو نظرة أو تغيّر في شكل فمه مما سيوضح لك أن طفلك يتواصل معك.
- قلّدي طفلك! فبما أنّ العديد من الأطفال المصابون بالتوحد يحبّون النظر في المرآة والقيام بالحركات وتعبيرات الوجه. افعلي مثله وقفي بجانبه أمام المرآة.
برأيي الشخصي كمحرّرة، في حال كان طفلك يعيش حياة طبيعيّة أم يعاني من أي حالة خاصّة، كالتوحّد مثلًا، تكونين أنت دائمًا المُفضّلة لديه، بالرغم من انه لا يتمكن من التعبير عن حبه الا انه يكن لك حبًا لا مثيل له ويبحث عنك للشعور بالأمان. أنت مرآته الّتي يعكس عليها مخاوفه ويطمئنّ لوجوده أمامها ورؤية نفسه من خلالها. وأنصحك باتّباع النصائح الواردة أعلاه لتقوية الرابط الطبيعي بينك وبينه بما أنّ التواصل لا يتم فقط من خلال اللّغة.
