يُعَدّ أكل الأظافر عند الأطفال من أكثر العادات الشائعة في الصغر، ويصنّفه الأطباء ضمن السلوكيات القهرية المرتبطة بالشعور بالقلق أو المعاناة من الضغط النفسي. يبدأ الطفل بممارسة هذه العادة من دون وعي، وقد تستمر معه لسنوات إذا لم يُعالج الأمر بهدوء وذكاء. تشير دراسات حديثة إلى أن 30% من الأطفال بين عمر 3 إلى 10 سنوات يُعانون من هذه العادة، وغالبًا ما تكون استجابة لحال نفسية غير مُعبَّر عنها لفظيًا.
في هذا المقال، نكشف عن الأسباب النفسية والعصبية الكامنة وراء هذه العادة، ونقترح خطوات ذكية وفعّالة لعلاجها من دون صراخ أو عقاب. يعرض المقال استراتيجيات علمية مبنية على دراسات موثوقة في علم النفس السلوكي. بالإضافة إلى نصائح تربوية تساعدكِ على احتواء طفلك وفهم ما وراء تصرفاته.
ما هو أكل الأظافر عند الأطفال؟
تُعرَف عادة أكل الأظافر عند الأطفال طبيًا باسم “onychophagia”، وتُعَدّ من الاضطرابات السلوكية التي تظهر غالبًا في فترات الشعور بالقلق أو التوتر أو الملل. لا تكون دائمًا ناتجة عن المعاناة من مشكلة نفسية عميقة، بل قد تبدأ كتصرف عفوي، ثم تتكرّر وتتحوّل إلى سلوك دائم مع الوقت.

تُظهر دراسة نشرتها مجلة Journal of Behavioral Pediatrics أنّ معظم الأطفال لا يدركون أنهم يقضمون أظافرهم حتى يُنبّههم الأهل. مما يعني أنّ ردود الفعل القاسية قد تزيد من توتّر الطفل وتُعزّز العادة بدل الحدّ منها.
الأسباب النفسية وراء العادة
يبدأ أكل الأظافر عند الأطفال غالبًا في بيئات تفتقر إلى الاستقرار العاطفي. عند غياب التعبير العاطفي السليم، يُفرّغ الطفل مشاعره من خلال حركات جسدية متكرّرة. بعض الأسباب تشمل:
- القلق والانفصال: مثل دخول المدرسة أو ولادة أخ جديد.
- توتر العلاقات داخل الأسرة: كثرة الشجارات أو الضغط الدراسي.
- الملل أو غياب النشاط: الطفل يبحث عن شيء يملأ فراغه الذهني.
- نموذج تقليدي في المنزل: رؤية أحد الوالدين أو الإخوة يقضم أظافره.
تؤكد دراسة نُشرت عام 2018 في Frontiers in Psychology أن الأطفال الذين لا يُسمح لهم بالتعبير عن مشاعرهم بالغضب أو الخوف، قد يتحوّلون إلى سلوكيات غير لفظية مثل قضم الأظافر كوسيلة تفريغ داخلي.
آثار العادة على صحة الطفل
لا يجب الاستهانة بتأثير أكل الأظافر عند الأطفال على صحة الجسم والنفس. فالأمر لا يقتصر على المظهر الخارجي فقط، بل يتعداه إلى آثار عضوية ونفسية:

- العدوى البكتيرية والفطرية: نتيجة انتقال الجراثيم من الفم إلى الجلد المحيط بالأظافر.
- تشوه الأظافر: خاصة عند تكرار القضم بشكل عنيف.
- مشاكل في الأسنان: مثل تآكل المينا أو تغيّر شكل الأسنان الأمامية.
- انخفاض الثقة بالنفس: بسبب نظرات الآخرين أو تعليقاتهم.
أكّدت الأكاديمية الأمريكية لطب الأسنان للأطفال أن الأطفال الذين يقضمون أظافرهم يعانون بمعدل أعلى من التهابات اللثة والأسنان مقارنة بأقرانهم.
طرق ذكية للتعامل مع الطفل
بدل اللجوء إلى الصراخ أو العقاب، يمكن استخدام أساليب إيجابية تُشجّع الطفل على تغيير سلوكه بهدوء. هذه أبرز الطرق التي يُوصي بها خبراء السلوك:
- راقبي المواقف التي تسبق القضم: هل يحدث أثناء الدراسة؟ عند مشاهدة التلفاز؟ تحديد السبب خطوة أولى نحو العلاج.
- ابتكري بديلًا سلوكيًا: قدّمي له كرة ضغط صغيرة أو لعبة لتشتيت يديه عند الشعور بالتوتر.
- قومي بإشراكه في روتين العناية بالأظافر: عندما يهتم الطفل بأظافره، تقلّ رغبته في قضمها.
- ضعي مادة آمنة ومرّة على الأظافر: وهي طريقة طبية فعّالة يستخدمها بعض أطباء الجلد.
- امدحيه عند الانتباه: شجّعيه كلما لاحظ نفسه وكَفَّ عن القضم.
- ارسمي جدولًا بسيطًا للمتابعة: ضعي نجمة على كل يوم خالٍ من قضم الأظافر، وقدّمي مكافأة رمزية أسبوعيًا.
بحسب الجمعية الأمريكية لعلم النفس، فإن التعزيز الإيجابي يُعد من أنجح الأساليب السلوكية لتعديل سلوك الأطفال. خاصّةً عندما يُقترن بالتفهّم والحنان.
متى أطلب المساعدة المهنية؟
إذا استمر أكل الأظافر عند الأطفال رغم المحاولات المتكررة، أو بدأ يؤثر على صحته الجسدية والنفسية، فقد يكون من الضروري استشارة مختصّ نفسي. إليكِ بعض المؤشرات:

- استمرار العادة بعد عمر 10 سنوات.
- ظهور جروح أو التهابات متكررة حول الأظافر.
- تزامن السلوك مع قلق مفرط، وانسحاب اجتماعي، أو اضطرابات نوم.
- ارتباط العادة بسلوكيات أخرى مثل شدّ الشعر أو قضم الشفاه.
يمكن أن يقدّم المعالج السلوكي جلسات علاج معرفي سلوكي (CBT) فعّالة، تُساعد الطفل على فهم مشاعره والتحكم بها بشكل صحي.
الخلاصة
أكل الأظافر عند الأطفال ليس مجرد عادة مزعجة، بل رسالة غير لفظية تعبّر عن حال داخلية بحاجة إلى احتواء. لا يأتي علاج هذه السلوكيات بالصراخ أو العقاب، بل بالحب والتفهّم، إلى جانب اتّخاذ خطوات علمية مدروسة. كما أنّ فهم الأسباب وملاحظة التوقيت وتقديم بدائل سلوكية بسيطة يمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا في وقت قصير. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن طرق تخفيف التوتّر عند صراخ طفلكِ في الأماكن العامة.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن كل سلوك مزعج يصدر عن الطفل هو فرصة لفهم عالمه الداخلي. أكل الأظافر عند الأطفال يُمكن أن يتحوّل من عادة مؤذية إلى وسيلة لاكتشاف مخاوفه واحتياجاته النفسية. عندما نختار الاستماع بدل التوبيخ، والاحتواء بدل العقاب، نكون قد وضعنا أول حجر في بناء طفل واثق، سليم نفسيًا، ومستقر عاطفيًا. لنكن دائمًا الحضن الذي يُلهم أبناءنا بالتغيير لا الخوف.