لما تحسين إن زوجك “غريب عنك”، تشعرين بأن المسافة بينكما اتّسعت فجأة، وكأنكِ تعيشين مع شخص لا تعرفينه. هذا الإحساس ليس وهمًا، بل قد يكون إنذارًا نفسيًا مهمًّا يُشير إلى وجود خلل عاطفي أو تواصل غير متوازن. أحيانًا، لا تكون المشكلة واضحة، لكنّ الشعور بالغربة داخل العلاقة الزوجية كافٍ ليقلب كل الموازين، ويثير الكثير من التساؤلات، التي تودي بكما أحيانًا إلى الانفصال العاطفي.
في هذا المقال، سنبحث أسباب هذا الشعور العميق بالانفصال. كما سنتطرّق إلى عرض أهمّ الاستراتيجيّات النفسيّة والسلوكيّة التي تساعدكِ في فهم الشريك من جديد، وإعادة بناء جسر التواصل. وذلك حسب ما تشير إليه الدراسات الحديثة في علم النفس الأسري.
1- الغربة العاطفية
تشعر الكثير من النساء فجأة بأن زوجهن لم يعد نفس الشخص، حتى من دون وجود مشكلة ظاهرة. تُسمَّى هذه الحال “الغربة العاطفية”، وهي إحدى المراحل الطبيعية التي تمر بها العلاقات الطويلة. يشير الباحث Markman et al., 2010 إلى أن هذا النوع من الانفصال غالبًا ما ينتج عن غياب الحديث العميق، وانشغال كل طرف باهتماماته الخاصّة من دون مشاركة يوميّة حقيقيّة.

يتراكم الشعور مع الوقت، فتفقدين القدرة على قراءة مشاعره، وتصبح الحوارات بينكما سطحية. عندما يحدث ذلك، تبدأين بالبحث عن ذلك الزوج الذي اعتدتِ عليه، لكنكِ لا تجدينه، فتشعرين وكأنكِ تعيشين مع غريب.
2- ضغوط الحياة والهوية المتغيّرة
في بعض الأحيان، لا يكون التغيّر في العلاقة ناتجًا عنكِ أو عنه فقط، بل عن تغيّر الهوية الناتجة عن ضغوط الحياة اليوميّة. وجدت دراسة نُشِرَت في Journal of Family Psychology (2018) أن الضغوط المهنية والمالية تؤثّر على نظرة الشخص لنفسه، وبالتالي على دوره العاطفي في العلاقة.
لما تحسين إن زوجك “غريب عنك”، قد يكون السبب ببساطة أنه لم يعد يعرف نفسه جيدًا. فالرجال أحيانًا لا يُفصحون عن شعورهم بالتعب أو بالفشل، فيتراجع تواصلهم العاطفي، ويصبحون أكثر انغلاقًا. ما يجعلكِ تلاحظين تغيّرًا في ردود أفعالهم، وحتى في أسلوبهم بالكلام.
3- غياب التقدير والاهتمام
أظهرت دراسة من University of California, Berkeley أن التقدير والاحترام المتبادل بين الزوجين هو مفتاح استمرار العلاقة. لما تغيب الإشارات الصغيرة من الاهتمام مثل سؤال بسيط عن يومه، أو نظرة حب، يتكوّن جدار غير مرئي من الجفاء.

لما تحسين إن زوجك “غريب عنك”، اسألي نفسكِ: هل ما زال بيننا حوار حقيقي؟ ونشكر بعضنا على الأمور اليومية؟. قد يبدو بسيطًا، لكنه فعّال في استعادة القرب.
تبدأ إعادة التقدير بخطوات صغيرة: ملاحظة جهده، والرد بابتسامة، وإظهار الامتنان. هذه التفاصيل تذيب الجليد، وتعيدكِ إلى أساس العلاقة.
4- كيف تبدأين بفهم الشريك من جديد؟
حين تدخل العلاقة في مرحلة الجمود، يبدأ التغيير من الداخل. فهم الشريك لا يعني مراقبته، بل العودة إلى الحوار الصادق. تشير Gottman Institute إلى أن 69% من الخلافات الزوجية لا تُحل، بل تُدار بذكاء عبر التفاهم والتسامح.
ابدئي بطرح أسئلة جديدة:
- ما الذي يشغلك هذه الفترة؟
- هل هناك شيء تتمنّى لو أنني أفهمه؟
- هل تشعر بالتقدير في هذه العلاقة؟
هذه الأسئلة تفتح باب التغيير، وتمنح زوجك فرصة للتعبير، بعيدًا عن الضغط. كما أن استخدام أسلوب “أنا أشعر” بدلًا من “أنت لا تفعل” يُقلّل من الدفاعية، ويخلق أمانًا نفسيًا للحوار.
5- تجديد العلاقة
أحيانًا لا نحتاج أكثر من استرجاع اللحظات التي جمعتنا في البداية. لما تحسين إن زوجك “غريب عنك”، فكّري متى كانت آخر مرة ضحكتما معًا؟ متى جلستم دون هواتف؟. فإعادة الذكريات وتجديد العادات القديمة مثل الذهاب في نزهة بسيطة أو تناول وجبة مشتركة بدون أطفال، تخلق رابطًا جديدًا.

التجديد لا يعني التغيير الكامل، بل إعادة اكتشاف المتعة في البساطة، وإعادة بناء العلاقة بمودة، لا بتكلف.
الخلاصة
لما تحسين إن زوجك “غريب عنك”، لا تتجاهلي هذا الشعور. قد يكون بداية وعي جديد، لا نهاية حتمية. الفهم يبدأ من قرار، من لحظة تصرين فيها على أن تعيدي بناء العلاقة بالحوار، والتقدير، والانتباه للتفاصيل الصغيرة التي تصنع الحب.
أظهرت الأبحاث أن معظم الأزواج الذين يمرّون بهذه المرحلة يتمكنون من تخطيها إذا اختاروا الاستمرار بعقل وقلب. فالحب ليس فقط شعورًا، بل ممارسة يومية تتطلّب الوعي، والنية، والصبر. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن العلامات التي تؤكّد أنّكِ تعانين من الفراغ العاطفي.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن أكثر ما يُربك المرأة في العلاقة هو التغيّر الصامت، ذاك التغيّر الذي لا يُعلن عن نفسه بصوتٍ مرتفع، بل يتسلّل بهدوء إلى تفاصيل الحياة اليومية فيخلق شعورًا بالغربة حتى داخل أقرب العلاقات. غير أن هذا التغيّر، رغم قسوته، قد يكون فرصة ذهبية لإعادة النظر، لا كارثة تستوجب الانسحاب. لما تحسين إن زوجك “غريب عنك”، لا تجعلي الغضب ردّكِ الأول، بل حوّلي تلك اللحظة إلى مساحة للحوار والاحتواء. تقرّبي منه بحنان، لا بلوم، وامنحيه شعورًا بالأمان ليُعبّر عمّا في داخله. فالعلاقة الزوجية ليست بناءً ثابتًا، بل منظومة حيّة تنمو وتتطوّر مع كل مرحلة، وكلما اخترتما معًا التجديد لا الجمود، اقتربتما أكثر، وظهرت بينكما أبعاد جديدة من الفهم والحب والمشاركة، قد لا تكتشفانها إلا عبر هذه اللحظات التي تبدو في ظاهرها متباعدة، لكنها في حقيقتها تُمهّد لعمقٍ جديد في الارتباط.