يُعتبَر الإحساس بانزعاج أو الم الثدي بعد الدورة عرض شهري تعاني منه نساء كثيرات، ويثير في كل مرة تساؤلات جديدة. قد يبدأ الألم مباشرة بعد نهاية الدورة الشهرية، أو قد يعود فجأة في منتصف الشهر. هذا الألم، الذي يُفترض أنه ينتهي مع انتهاء الدورة، يُربك الكثيرات لأنه يستمر رغم غياب العوامل المعروفة.
في هذا المقال، سنتحدث بالتفصيل عن الم الثدي بعد الدورة. سنشرح أسبابه الأكثر شيوعًا، والعوامل التي تؤثر عليه، والفرق بين الألم الطبيعي والمَرَضي. كذلك، سنعرض خطوات فعالة للتخفيف منه، ونوضح متى يصبح من الضروري زيارة الطبيب.
التغيرات الهرمونية
تؤدّي الهرمونات الدور الأساسي في كل دورة شهرية.

من أهم أسباب الم الثدي بعد الدورة هو التقلّب الهرموني، خاصة في مستوى هرموني الإستروجين والبروجستيرون. بعد انتهاء الدورة، ترتفع نسبة الإستروجين مجددًا استعدادًا للإباضة. هذا الارتفاع يؤثر على أنسجة الثدي، فيجعلها أكثر حساسية أو احتقانًا، ما يسبب شعورًا بالألم أو الوخز.
أيضًا، النساء اللواتي يعانين من عدم انتظام في الدورة أو من متلازمة تكيس المبيض، أكثر عرضةً لتقلّبات غير مُتوقَّعة في الهرمونات. هذه التغيرات تسبب احتباس السوائل، ما يؤدي إلى تورم خفيف في الثدي والشعور بألم عند اللمس.
علاوةً على ذلك، استخدام وسائل منع الحمل الهرمونية أو أدوية لتحفيز التبويض قد يزيد من حدة الألم. لذلك، من المهم مراقبة توقيت الألم وربطه بالتغيرات الهرمونية الشهرية.
العوامل الغذائية
تؤثّر ممارسة بعض العادات الغذائية مباشرة على الثدي.
الغذاء له دور أساسي في التأثير على توازن الهرمونات. مثلًا، تناول كميات كبيرة من الكافيين أو الأطعمة المالحة قد يسبب احتباس السوائل في الجسم، وبالتالي يزيد من التورم حول أنسجة الثدي. هذا يفسر لماذا تشعر بعض النساء بألم في الثدي حتى بعد انتهاء الدورة.
أيضًا، قد يساهم نقص الفيتامينات، خاصة فيتامين B6 وE والمغنيسيوم، في زيادة حساسية الثدي. هذه العناصر ضرورية لتقليل الالتهاب وتحسين الدورة الدموية. عند غيابها، تزداد حدة الشعور بالألم وتكراره.
إضافةً إلى ذلك، قد يزيد اتّباع النظام الغذائي الغني بالدهون المشبعة من مستوى الإستروجين في الجسم. ما يعيدنا إلى السبب الهرموني ويعزّز تفاقم الشعور بالألم.
أسباب غير متوقعة
قد يكون نمط حياتكِ السبب من دون أن تنتبهي.

لا يدرك الكثير من النساء أنّ المعاناة من التوتر النفسي قد تسبب الشعور بالم الثدي بعد الدورة. عندما نعيش تحت ضغط نفسي مستمر، يرتفع هرمون الكورتيزول في الجسم. يتداخل هذا الهرمون مع إنتاج الإستروجين والبروجستيرون، ما يؤدي إلى خلل هرموني ينعكس مباشرة على الثدي.
من جهة أخرى، ممارسة الرياضة المكثّفة خاصة تمارين الصدر، قد تسبب ألمًا مشابهًا لألم الثدي، بسبب شدّ العضلات المحيطة. هذا النوع من الألم لا يرتبط بالهرمونات بل بالجهد البدني، لكنه يحدث في نفس المنطقة مما يسبب التباسًا.
أما قلة النوم أو اضطراب ساعات النوم، فهي تؤثر سلبًا على توازن الهرمونات. ممّا يجعل الثدي أكثر حساسية بعد الدورة.
متى يصبح الألم مقلقًا؟ إشارات لا يجب تجاهلها
تتطلب بعض العوارض تدخلًا طبيًا سريعًا.
رغم أن الم الثدي بعد الدورة غالبًا ما يكون طبيعيًا، إلا أن هناك علامات لا يجب تجاهلها. مثلًا، إذا كان الألم يتركز في منطقة واحدة فقط من الثدي، ويزداد تدريجيًا من دون ارتباط بالدورة، فقد يكون مؤشرًا على وجود كتلة يجب فحصها.
أيضًا، إذا كان هناك تغيّر في شكل الثدي، أو ظهور إفرازات غير طبيعية من الحلمة، أو وجود احمرار وحرارة، فهذه عوارض تتطلب استشارة فورية. قد يطلب الطبيب إجراء صورة صوتية أو ماموغرام للتأكد من عدم وجود مشكلة خطيرة.
كذلك، إنّ الشعور بالألم المستمر الذي لا يتحسّن مع الوقت، أو يزداد سوءًا مع كل شهر، يستوجب تقييمًا سريريًا دقيقًا.
كيف تخففين من ألم الثدي؟ خطوات فعّالة وبسيطة
الإجراءات اليومية قد تصنع فرقًا كبيرًا.

لتقليل الم الثدي بعد الدورة، يمكن اتباع خطوات بسيطة لكنها فعالة. أولًا، ارتداء حمالة صدر مريحة وذات دعم جيد، خاصّةً خلال النهار. هذا يخفف الضغط على الأنسجة ويقلّل من الشعور بالانزعاج.
ثانيًا، إنّ تقليل استهلاك الكافيين والملح خلال النصف الثاني من الدورة، قد يساعد على منع احتباس السوائل. كذلك، تناول المكملات التي تحتوي فيتامين E والمغنيسيوم قد يحسّن التوازن الهرموني ويقلّل من الشعور بالألم.
كما أن ممارسة تمارين التنفّس والاسترخاء مثل اليوغا قد تساعد على تقليل التوتر. ما ينعكس إيجابيًا على صحة الثدي. ولا ننسى أهمية الحصول على النوم الجيد والنظام الغذائي المتوازن.
الخلاصة
في الختام، الم الثدي بعد الدورة ليس دائمًا علامة مرضية، لكنه أيضًا لا يجب أن يُعتبر أمرًا عاديًا من دون تمعن. جسدكِ يرسل إشارات، ويجب الاستماع إليها. غالبًا ما يكون السبب هرمونيًا أو ناتجًا عن نمط حياة معين، لكنه قد يخفي وراءه مشكلة صحية تستحق التدقيق.
راقبي توقيت الألم، ودوّني مدّته وحدّته. إذا تكرّر بشكل مزعج، فلا تترددي في مراجعة طبيبتكِ، فالتشخيص المبكر يمنحكِ راحة البال. واعلمي أن التغذية الجيدة، والحركة المنتظمة، والنوم الكافي، كلها عوامل قادرة على تخفيف حدة العوارض. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن العلاقة بين هرمونات الدورة والنفسية.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ الشعور بالألم المتكرّر بعد الدورة لا يجب تجاهله، خصوصًا إن كان يترافق مع علامات غير مألوفة. يتكلّم جسم المرأة بلغة خاصة، ويجب أن نُحسن فهمها. أحيانًا، تكون الأمور بسيطة وتتعلّق بعادة يومية يمكن تغييرها بسهولة، وأحيانًا تحتاج لفحص دقيق. لكن الأهم هو ألّا نخاف من السؤال، ولا نؤجل الاستشارة. صحتكِ تبدأ من الوعي، وكل شهر هو فرصة لفهم نفسكِ أكثر.