يشكّل الفرق بين التعلق والحب سؤالًا جوهريًا في حياة كل امرأة تمرّ بعلاقة عاطفية. فغالبًا ما تختلط المشاعر، ونظن أننا نحب، بينما نحن في الواقع نعيش حال تعلق. في ظلّ هذا الالتباس، نصبح أكثر عرضة للشعور بالألم، ونتجاهل الإشارات التي تُظهر أنّ العلاقة غير صحية. لهذا السبب، من الضروري أن نفهم الحدود الفاصلة بين الحالين لنحمي قلوبنا ونبني علاقات ناجحة ومتّزنة.
في هذا المقال، سنتعمّق في هذا الموضوع من خلال تسليط الضوء على الفروقات النفسية والسلوكية بين الحب والتعلق. سنستند إلى دراسات علمية موثوقة من علم النفس والعلاقات الإنسانية، ونوضح كيف تؤثر كل حال على صحتكِ النفسية ونموكِ الشخصي. كما سنقدّم لكِ أدوات عملية لتقيمي مشاعركِ وتكتشفي إذا كنتِ تحبين حقًا أم أنكِ فقط متعلقة.
تعريف الحب والتعلّق
قبل أن نغوص في الفروقات، لا بد من تحديد المفاهيم.

يُعرَّف الحب في علم النفس بأنه حال عاطفية ناضجة تتضمن الاحترام بين الشريكين، والرغبة في العطاء، والقبول غير المشروط للطرف الآخر. أما التعلق، فهو يُشير إلى حاجة نفسية تنشأ من الشعور بالنقص أو الخوف من الهجر، وتُعبّر عن اعتماد مفرط على الآخر لتلبية الاحتياجات العاطفية.
بحسب دراسة نشرها Bowlby، مؤسس نظرية التعلق، فإن التعلق هو سلوك غريزي تطوّر لحماية الإنسان من الوحدة والتهديد. ولكنه عندما يخرج عن السيطرة، يصبح سببًا في القلق والتوتر، ويعرقل العلاقات الصحية.
الحب يمنح الحرية، والتعلّق يقيّد
كل علاقة صحية تحتاج إلى مساحة من الحرية. هنا يظهر الفرق بين التعلق والحب الحقيقي بوضوح. فالحب يشجّع على النمو الشخصي والانطلاق، بينما التعلق يفرض سيطرة وتعلّقًا مفرطًا بالطرف الآخر.
عندما تحبين، تفرحين لنجاح الشريك، حتى لو كان بعيدًا عنكِ. تشعرين بالأمان الداخلي وتثقين بالعلاقة. أما عندما تتعلقين، تشعرين بالخوف الدائم من الفقد، وتبدأين في مراقبة الشريك، وربما تضعين قيودًا من دون وعي.
تبيّن دراسة في مجلة Journal of Social and Personal Relationships أن الأشخاص المرتبطين عاطفيًا بشركائهم ضمن إطار من الحب يتمتعون بصحة نفسية أفضل مقارنةً بأولئك المتعلّقين، الذين يظهرون مستويات عالية من التوتر والغيرة وانعدام الأمان.
التعلق ينتج عن احتياج داخلي، الحب عن اختيار واعٍ
في هذا السياق، تشير الأبحاث النفسية إلى أن التعلق العاطفي غالبًا ما ينشأ نتيجة تجارب الطفولة المبكرة، خاصّةً في حال غياب الأمان العاطفي أو التعرض للإهمال. في المقابل، يتكوّن الحب الناضج نتيجة نضوج فكري وعاطفي، ويتضمن قرارًا واعيًا باختيار شريك الحياة من دون الاعتماد المفرط عليه.

وفقًا لدراسة أجراها Hazan وShaver حول أساليب التعلق، فإن الأشخاص الذين يظهرون نمط التعلق الآمن يعيشون علاقات حب أكثر توازنًا. أما الذين يعانون من التعلق القلق أو التجنّبي، فهم غالبًا ما يدخلون علاقات مضطربة تنتهي بالانفصال أو الألم.
علامات واضحة تساعدكِ على التمييز
لا يكفي الفهم النظري، بل من المهم أيضًا أن تتعلّمي كيفية اكتشاف الفرق بين التعلق والحب في واقعكِ اليومي.
إليكِ بعض المؤشرات العلمية:
- في الحب: تشعرين بالطمأنينة، تستمتعين بوقتكِ سواء كنتِ مع الشريك أو بدونه، تثقين به، وتدعمينه من دون انتظار مقابل.
- في التعلق: تشعرين بالقلق إذا لم يتصل بكِ، تفقدين هويتكِ الخاصة، تخافين من فقدانه، وتحتاجين إليه لتشعري بقيمتكِ.
إنّ العلاقات المبنية على الحب تُعزز احترام الذات. بينما العلاقات المبنية على التعلق تؤدي غالبًا إلى التعلّق المرضي، والذي يشبه الإدمان العاطفي، كما وصفه الدكتور Patrick Carnes في كتبه عن الاعتماد العاطفي.
كيف تنتقلين من التعلق إلى الحب الحقيقي؟
بعد أن تعرفتِ على الفرق بين التعلق والحب، حان الوقت للتطبيق العملي. الانتقال من التعلق إلى الحب لا يحدث بين ليلة وضحاها، بل يتطلب وعيًا عميقًا ونية للتغيير.

نصائح لمساعدتكِ:
- اعملي على تعزيز تقديركِ لذاتكِ من خلال ممارسة التمارين اليومية مثل كتابة الإنجازات أو تحديد نقاط القوة الشخصية.
- اجعلي سعادتكِ مسؤوليتكِ الشخصية، ولا تعلقيها على شخص آخر.
- تعلّمي الاستقلال العاطفي من خلال بناء اهتماماتكِ الخاصة وهواياتكِ.
- استعيني بمختص نفسي إذا شعرتِ أن الأمر يؤثر على حياتكِ بشكل كبير، فالمعالجة النفسية تساعد على تفكيك جذور التعلق المرضي.
تشير الدراسات إلى أن التدريب على Mindfulness أو اليقظة الذهنية يخفف من أنماط التفكير القلقة المرتبطة بالتعلّق، ويعزز الاستقرار النفسي والعاطفي.
الخلاصة
في النهاية، إدراك الفرق بين التعلق والحب ليس فقط مفتاحًا لبناء علاقة عاطفية صحية، بل هو خطوة أساسية في رحلة نضجكِ الشخصي. عندما تفهمين مشاعركِ بوضوح، تتخذين قرارات واعية، وتحمين نفسكِ من خيبات الأمل المتكررة.
لا تنسي أن العلاقة التي تُبنى على الحب الحقيقي تُزهر مع الوقت، بينما العلاقة المبنية على التعلق تنهار أمام أول اختبار. امنحي نفسكِ الوقت الكافي، وراجعي مشاعركِ بهدوء، وستصلين حتمًا إلى الحقيقة التي تستحقينها. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وعرضنا لكِ أفكار مواضيع للنقاش بين المخطوبين تكشف لكِ حقيقة مشاعره قبل الزواج.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن كل امرأة تستحق أن تعيش علاقة مليئة بالحب الناضج، لا بالتعلق المؤلم. الحب لا يستهلكنا، بل يضيف إلى أرواحنا نورًا وسلامًا. لذلك، أنصحكِ أن تنظري إلى الداخل قبل أن تبحثي عن الحب في الخارج، فحين نحب أنفسنا بصدق، نصبح أكثر قدرة على استقبال الحب الحقيقي من الآخر.