تؤثّر هرمونات الدورة والنفسية على المرأة بشكل لا يمكن تجاهله. منذ بداية الدورة الشهرية وحتى نهايتها، تمرّين بتغيّرات هرمونية متكرّرة تؤثّر على مشاعركِ وسلوككِ بشكل مباشر. تتبدّل حالكِ المزاجية من الفرح إلى الحزن، ومن النشاط إلى الشعور بالتعب، من دون سبب ظاهر أحيانًا. لكن العلم كشف الحقيقة: كل ما تمرّين به له تفسير بيولوجي وعلمي دقيق.
في هذا المقال، سنكشف كيف تغيّر هرمونات الدورة والنفسية يومكِ بالكامل. سنتناول دور كل هرمون، وما يسبّبه من تغيّرات نفسية، ثم نعرض كيف تتصرّفين بوعي خلال كل مرحلة. ستجدين خطوات عملية مدعومة بالدراسات العلمية تساعدكِ في فهم نفسكِ أكثر، وتحسين حالكِ المزاجية تدريجيًّا.
ما الذي يحدث فعلًا داخل جسدكِ؟
تبدأ الدورة الشهرية بتغيّرات مفاجئة في مستويات الإستروجين والبروجسترون. تؤثّر هذه التغيّرات مباشرةً على كيمياء الدماغ، وخصوصًا على إفراز السيروتونين، وهو هرمون السعادة. في الأيام الأولى من الدورة، ينخفض مستوى الإستروجين، ما يسبب شعورًا بالإرهاق، وقلة الحافز، وحتى البكاء بدون سبب.

وفي منتصف الدورة، يرتفع الإستروجين فجأة، مما يخلق إحساسًا بالطاقة والتفاؤل. لكن ما يلبث البروجسترون أن يرتفع أيضًا بعد الإباضة، وهنا تبدأ تقلباتكِ المزاجية بالظهور بوضوح. يزداد الشعور بالتوتر، والقلق، والمعاناة من اضطرابات النوم، حتى الوصول إلى الأيام الأخيرة من الدورة، حيث تصل هذه المشاعر إلى ذروتها.
حسب دراسة منشورة في Journal of Affective Disorders، النساء اللواتي يعانين من اضطرابات ما قبل الدورة يعانين من انخفاض في مادة GABA، المسؤولة عن التوازن النفسي، نتيجة ارتفاع البروجسترون.
تأثير هرمونات الدورة على الدماغ مباشرة
تتحكّم هرمونات الدورة والنفسية بمنطقة “اللوزة الدماغية” المسؤولة عن الاستجابة الانفعالية. عندما ينخفض معدّل الإستروجين، تقل فعالية التواصل بين الخلايا العصبية في هذه المنطقة، ممّا يجعلكِ أكثر حساسية وانفعالًا.
كما تؤثّر هذه الهرمونات على قشرة الفص الجبهي، وهي المنطقة المسؤولة عن اتخاذ القرار. لذا قد تجدين نفسكِ تتّخذين قرارات متسرّعة أو تشعرين بعدم القدرة على التركيز خلال بعض الأيام. هذه التغيّرات ليست ضعفًا منكِ، بل نتيجة طبيعية لتبدّل الهرمونات.
أثبتت دراسة أجراها باحثون من Harvard Medical School أنّ النساء أكثر عرضة لمواجهة تقلّبات المزاج المرتبطة بالدورة الشهرية مقارنةً بالرجال نتيجة حساسية أدمغتهنَّ لتبدّل الهرمونات.
تقلبات المزاج ليست دائمًا “دراما نسائية”!
يعتقد البعض أن شعور المرأة بالحزن أو الانزعاج خلال الدورة هو مبالغة أو ضعف، لكن العلم ينفي ذلك تمامًا. فالدورة الشهرية تُحدِث تغييرات بيولوجيّة حقيقيّة تؤثّر على طريقة عمل دماغكِ ومزاجكِ وسلوككِ.

تعمل هرمونات الدورة والنفسية كمنظّم داخلي لحالكِ العاطفية. عندما تضطرب مستوياتها، تضطرب معها طريقة تفاعلكِ مع العالم. لذلك، لا تستهيني بمشاعركِ، ولا تسمحي لأحد بالتقليل من تأثير ما تمرّين به.
حسب الجمعية الأميركية للطب النفسي (APA)، ما يقارب 20% من النساء يعانين من شكل حاد من اضطراب ما قبل الدورة (PMDD)، وهي حال نفسية حقيقية تستوجب المتابعة والدعم.
كيف تتعاملين مع هذه التغيرات بذكاء؟
لكي تواجهي تأثير هرمونات الدورة والنفسية، عليكِ أولًا أن تتعرّفي على دورتكِ بشكل دقيق. احتفظي بمذكرة تسجّلين فيها يوميات حالكِ المزاجية. ستلاحظين نمطًا معينًا يتكرر كل شهر، مما يساعدكِ على توقّع التقلّبات والاستعداد لها مسبقًا.
اتبعي نظامًا غذائيًا غنيًا بالمغنيسيوم وفيتامين B6، فكلاهما يساعد في تحسين المزاج. واظبي على ممارسة الرياضة، خصوصًا المشي أو اليوغا، لأنّها ترفع مستوى الإندورفين، ما يمنحكِ شعورًا بالراحة.
كذلك، حاولي تخفيف الشعور بالتوتر عبر ممارسة التأمّل أو التنفّس العميق. خصّصي وقتًا يوميًا للاسترخاء، حتى لو لبضع دقائق فقط. ولا تتردّدي في طلب دعم نفسي عند الحاجة، خصوصًا إذا شعرتِ أن التقلّبات بدأت تؤثّر على علاقاتكِ أو أداءكِ اليومي.
أهميّة الدعم النفسي والاجتماعي
من أكبر الأخطاء أن تواجه المرأة تقلباتها بمفردها. إنّ الحصول على الدعم من الشريك أو الأهل أو حتى من مجموعات إلكترونية مخصّصة لهذه المواضيع يمكن أن يصنع فرقًا كبيرًا. الحديث عن مشاعركِ بصدقٍ يخفّف الضغط ويمنحكِ شعورًا بالأمان.

كما أن استشارة مختصّ نفسي أو طبيبة نسائية في حال استمرار العوارض الشديدة خطوة ضرورية. الوعي الذاتي لا يكفي دائمًا، فبعض الحالات تتطلّب تدخلًا دوائيًا بسيطًا لتعديل مستويات السيروتونين أو تخفيف حساسية الدماغ للتقلّبات.
الخلاصة
في النهاية، تُعَدّ هرمونات الدورة والنفسية جزء لا يتجزأ من طبيعتكِ البيولوجية كأنثى. لا داعي للشعور بالخجل منها أو تجاهلها. ففهمكِ العميق لهذه التغيّرات يمنحكِ القوة لتعيشي كل مرحلة بوعي واتزان. كما أنّ التقلّبات النفسية لا تعني أنكِ غير مستقرة، بل أنكِ إنسانة حسّاسة متصلة بجسدها وتفاصيله. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن دلالة نزول كتل دم مع الدورة.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، لا يجب أن تُترك المرأة وحدها في دوّامة المزاج المتقلب، بل من واجب المجتمع تطبيع الحديث عن هذه التغيّرات ومنحها المساحة الآمنة للفهم والتعبير. حين تعرف المرأة أن ما تمرّ به طبيعي وله تفسير علمي، فإنها لا تتصالح فقط مع جسدها، بل تتحرّر من ثقل اللوم والذنب.