جنينك يتألم بصمت؟ قد تبدو هذه العبارة صادمة، لكنها واقعية أكثر مما تتخيلين. ففي كل مرحلة من الحمل، يتأثر الجنين بما يدور حوله، بل وحتى بما يدور بداخلكِ. التغيرات الجسدية، والانفعالات النفسية، والعوامل البيئية، جميعها تؤدّي دورًا مباشرًا في راحة أو ألم صغيرك الذي لم يُولد بعد. لذلك، من المهم أن تفهمي جيدًا ما الذي قد يزعجه داخل الرحم، كي توفّري له بيئة آمنة ودافئة ينمو فيها بسلام.
في هذا المقال، سنتناول أبرز الأسباب العلمية التي قد تُسبب الأذى أو الانزعاج للجنين داخل الرحم. سنبدأ أولًا بالعوامل الفيزيولوجية، ثم ننتقل إلى التأثيرات النفسية والبيئية، ونختم بنصائح تساعدكِ في حماية جنينك من هذه الآلام الصامتة.
1. نقص الأوكسجين
يُعتبَر نقص الأوكسجين من أخطر الأسباب التي قد تُؤلم الجنين داخل الرحم. في الحالات الطبيعية، يصل الأوكسجين إلى الجنين عبر الحبل السري والمشيمة. لكن في بعض الأحيان، تتعرض هذه الآلية لمشاكل تؤدي إلى انخفاض نسبة الأوكسجين.

بعض الأسباب تشمل:
- ارتفاع ضغط الدم عند الأم خلال الحمل.
- التدخين أو التعرّض لدخان السجائر.
- اضطرابات في المشيمة أو الحبل السري.
أظهرت الدراسات أن نقص الأوكسجين قد يؤدي إلى مشاكل في الجهاز العصبي للجنين، أو حتى ولادة مبكرة. وفقًا لدراسة نُشرت في American Journal of Obstetrics and Gynecology، فإن الأطفال الذين عانوا من نقص الأوكسجين داخل الرحم معرضون أكثر للإصابة بمشاكل في النمو الحركي لاحقًا.
2. التوتر النفسي للأم
التوتر النفسي ليس مجرد حال مزاجية، بل يؤثّر بشكلٍ مباشر على الجنين. عندما تشعرين بالتوتر، يُفرز جسدك هرمونات مثل الكورتيزول والأدرينالين. هذه الهرمونات تصل إلى الجنين عبر المشيمة وتؤثر على تطوره العصبي.
حسب دراسة أجرتها جامعة Columbia، فإن الأمهات اللواتي عانين من ضغط نفسي مزمن خلال الحمل، أنجبن أطفالًا بمعدلات أعلى من القلق واضطرابات النوم في السنوات الأولى من حياتهم.
لهذا السبب، عليكِ أن تهتمي بصحتك النفسية بقدر ما تهتمين بتغذيتك. خذي فترات راحة منتظمة، مارسي التأمل أو المشي، وابتعدي عن مصادر التوتر قدر الإمكان.
3. الأصوات العالية والضوضاء
قد تظنين أن الجنين لا يسمع جيدًا داخل الرحم، لكن الواقع مختلف. اعتبارًا من الأسبوع 25 من الحمل، يبدأ الجنين في الاستجابة للأصوات الخارجية. الأصوات العالية والمفاجئة قد تزعجه وتُثير ردود فعل جسمية كالتشنج أو زيادة معدل ضربات القلب الطبيعي.

أثبتت دراسة نشرت في Journal of Perinatology أن الضوضاء العالية، خاصة تلك المتكررة، قد تؤثر على نمط نوم الجنين داخل الرحم. ما يؤدي إلى اضطرابات سلوكية لاحقة بعد الولادة.
بالتالي، يُفضل تقليل التعرّض للموسيقى الصاخبة أو الأصوات المفاجئة. خاصّةً في الأماكن المزدحمة أو أثناء استخدام الأجهزة الكهربائية عالية الصوت.
4. سوء التغذية
يعتمد الجنين بالكامل على تغذيتكِ. إذا كانت وجباتك غير متوازنة، أو تفتقر إلى عناصر أساسية مثل الحديد وحمض الفوليك والكالسيوم، فإن ذلك يؤثر على نموه ويُشعره بالألم في مراحل لاحقة من تطوره.
وفقًا لتوصيات منظمة الصحة العالمية، فإن نقص الحديد لدى الأم يزيد من خطر الإصابة بفقر الدم لدى الجنين، ما قد يؤثر على وظائف الدماغ بعد الولادة. كما أن نقص فيتامين د خلال الحمل قد يُسبب ضعفًا في تكوين العظام عند الجنين.
احرصي على تناول وجبات غنية بالخضار، والبروتينات، والحبوب الكاملة، مع مكملات غذائية موصوفة من طبيبك. وتجنّبي تمامًا الحصول على الأطعمة المعالجة والمشروبات المحلّاة.
5. الالتهابات والأدوية
قد تُسبّب المعاناة من بعض أنواع الالتهابات التي تمر من دون علاج ضررًا كبيرًا للجنين. منها على سبيل المثال:

- عدوى التوكسوبلازما.
- الحصبة الألمانية.
- التهاب المسالك البولية المتكرر.
هذه الالتهابات قد تنتقل إلى الجنين وتُؤثر على جهازه العصبي أو السمع أو البصر.
كما أن بعض الأدوية، حتى تلك التي تبدو آمنة، قد تُسبب تشوّهات خلقية إذا أُخذت من دون استشارة طبية. لذا، يجب استشارة طبيبك قبل تناول أي دواء، حتى ولو كان من الأعشاب أو المكملات.
6. قلّة الحركة أو زيادة النشاط
يحتاج الجنين إلى حركة خفيفة ومنتظمة من الأم ليشعر بالاستقرار والراحة. فالجلوس الطويل أو النوم لفترات طويلة من دون تحريك الجسم، قد يُؤثّر على تدفق الدم إلى المشيمة. وعلى العكس، المبالغة في النشاط البدني قد تُسبب انقباضات مبكرة أو ضغطًا على الجنين.
اختاري التمارين الخفيفة الموصى بها خلال الحمل، كالمشي أو تمارين التمدد، وابتعدي عن رفع الأثقال أو ممارسة أيّ نشاط مجهد.
الجنين ليس كائنًا صامتًا تمامًا، بل يرسل إشارات عبر حركته، ونبضه، وحتى وضعه داخل الرحم. كل شعور بالألم أو الانزعاج الذي يمر به، قد يظهر في شكل تغيّر في نمط الحركة أو انقباضات مفاجئة. لذلك، من الضروري أن تراقبي هذه الإشارات وتتجاوبي معها بوعي. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن فيتامين واحد قد يعرّض حملكِ ومولودكِ للخطر!
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن إدراك الأم لما قد يُزعج الجنين داخل الرحم هو أول خطوة نحو أمومة واعية. لا تهملي التفاصيل الصغيرة، فهي قد تُحدث فرقًا كبيرًا في راحته وسلامته. استمعي لجسمك، واطلبي المساعدة الطبية فورًا عند أي إشارة غير معتادة. فجنينك لا يملك صوتًا، لكنه يملككِ أنتِ، فكوني له الأمان والطمأنينة التي يحتاجها ليبدأ حياته بأفضل حال.