تُعَدّ تغذية الحامل من العوامل الحاسمة التي ترسم مستقبل الجنين العقلي والنفسي. تشير أبحاث حديثة إلى أن ما تتناولينه خلال الحمل لا يؤثّر فقط على نمو طفلكِ الجسدي. بل يمتدّ ليشكّل تركيبة دماغه ووظائفه العصبية. وقد أطلقت هذه الاكتشافات ناقوس الخطر بشأن بعض العادات الغذائية التي بدت شائعة ولكنها تحمل آثارًا مدمّرة على نمو الطفل العصبي، مثل تناول الأطعمة فائقة التصنيع.
في هذا المقال، أولًا نسلّط الضوء على النتائج التي توصّل إليها الباحثون حول العلاقة بين الأطعمة الصناعية خلال الحمل وتطوّر دماغ الجنين. بعد ذلك، ننتقل إلى استعراض أبرز العوامل الغذائية المؤثرة. ثم نُقدّم لكِ في الختام طرقًا عملية تساعدكِ على اختيار تغذية أكثر أمانًا.
الأطعمة فائقة التصنيع: خطر صامت على دماغ الجنين
في البداية، بدأ الباحثون بالتركيز على فئة معيّنة من الأطعمة تُعرف بـ”الأطعمة فائقة التصنيع”. وبكل بساطة، فهي تلك التي تحتوي على مكوّنات صناعية معقّدة، مثل المواد الحافظة، والنكهات الاصطناعية، والدهون المعدّلة. وبناءً على ما سبق، وجدت الدراسات أن هذه الأطعمة قد تُضاعف احتمالية إصابة الطفل لاحقًا باضطرابات. ومن أبرز هذه الاضطرابات، فرط الحركة وتشتّت الانتباه (ADHD)، بالإضافة إلى التوحّد. ولهذا السبب، أصبح من الضروري تسليط الضوء على مخاطر هذه الأطعمة خلال فترة الحمل.

وقد تبيّن أنّ هذه الأطعمة، على وجه الخصوص، قد تُعرّض الحامل لمستويات مرتفعة من المعادن الثقيلة، مثل الزئبق والرصاص. ممّا يؤدّي بدوره إلى انتقالها بسهولة إلى الجنين، فتؤثّر سلبًا على تطوّر دماغه.
الزنك والرصاص: توازنٌ دقيق يشكّل مصير الدماغ
من جهة أخرى، أظهرت نتائج الأبحاث أن عنصر الزنك يؤدّي دورًا رئيسيًا في حماية الجنين من آثار المعادن السامة. ففي هذا السياق، يساعد الزنك في تنشيط جين يُعرف بـMT-1، يعمل على طرد المعادن الثقيلة من الجسم. ولكن، عندما ينخفض مستوى الزنك في جسم الأم، يضعف هذا الجين. وبالتالي تُتاح الفرصة لتراكم الزئبق والرصاص في الأنسجة العصبية للجنين.
علاوةً على ذلك، فقد ربطت أبحاث سابقة بين نقص الزنك وارتفاع مستويات المعادن السامة، وبين ظهور عوارض توحّد أو اضطرابات سلوكية لدى الأطفال في سنواتهم الأولى.
تجربة سريرية تؤكّد: التوعية تُغيّر النتائج
ولهذا السبب، قام العلماء بتجربة عشوائية شملت مجموعة من الحوامل. حيث قدّمت لهنّ في البداية جلسات توعوية غذائية، مع توصيات مباشرة بتجنّب الأطعمة فائقة التصنيع. وبعد ذلك، راقب الباحثون عينات من دم الأمهات. ثم لاحقًا دم الحبل السرّي، بهدف قياس مستويات الزنك والرصاص والزئبق وفعالية الجين MT-1.
وقد أظهرت النتائج الأولية أن النساء اللواتي التزمن بخطّة غذائية صحّية، سجّلن انخفاضًا واضحًا في مؤشّرات الخطر. وبالتالي، فإن هذا يشير إلى أن التدخّل الغذائي قد يُقلّل من احتمالية الإصابة بهذه الاضطرابات العصبية في المستقبل.
تغذية الحامل ليست اختيارًا شخصيًا فحسب، بل مسؤولية بيولوجية
وهكذا، أصبح من الواضح أنّ القرارات الغذائية التي تتّخذها المرأة الحامل تملك القدرة على التأثير في دماغ طفلها قبل أن يرى النور. وبناءً على ذلك، فإنّ التغذية الغنيّة بالعناصر المفيدة، كالأوميغا 3، والزنك، وحمض الفوليك، لا تمنح فقط حملًا صحيًا. بل تحمي أيضًا الجنين من تحوّلات عصبية قد تلازمه مدى الحياة.
لذلك، وحرصًا على سلامة جنينكِ، من الضروري أن تبتعدي تدريجيًا عن رقائق البطاطا، والمعلّبات، والعصائر المحلّاة. وبدلًا من ذلك، اتّجهي نحو الخيارات الغذائية الطازجة، مثل الخضراوات، والحبوب الكاملة، والبروتينات النظيفة. فهي الأجدر بدعم نمو دماغ طفلكِ بشكل صحي وسليم.
لا شك أن التغذية خلال الحمل تؤسّس لحياة عقلية ونفسية متوازنة لطفلكِ. وقد أثبت العلم اليوم أن الأطعمة فائقة التصنيع ليست مجرّد خيار سيئ، بل خطر يهدّد تطوّر الدماغ. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن أسباب مغص البطن للحامل وطرق التعامل الآمن.