تُعَدّ نظريات علم النفس من الركائز الأساسية التي يعتمد عليها علماء النفس لفهم السلوك البشري وتفسير الدوافع الداخلية التي تحرّك الإنسان. منذ نشأة علم النفس كعلم مستقل في أواخر القرن التاسع عشر، ظهرت العديد من النظريات التي حاولت تفسير كيف يفكر الإنسان، وكيف تؤثر مشاعره وبيئته على قراراته وسلوكياته اليومية. هذه النظريات لم تكن مجرد اجتهادات فلسفية. بل استندت إلى أبحاث ودراسات علمية مُكثَّفة ساعدت على توسيع نطاق فهم النفس البشرية.
في هذا المقال، سنناقش بالتفصيل نظريات علم النفس الأساسية وأهميتها. ثم سننتقل إلى تحليل المدارس الثلاث الكبرى في هذا المجال، ونوضح الأنواع المختلفة من النظريات النفسية. وفي النهاية، سنطلعكِ على كيفيّة استخدام هذه النظريات لفهم الذات وتحقيق التوازن النفسي. مع العلم أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن انواع الشخصيات في علم النفس.
ما هي النظريات الأساسية في علم النفس؟
ما هي نظريات علم النفس الأساسيّة؟ لكي نفهم سلوك الإنسان وتفكيره، لا بد من الاعتماد على مجموعة من النظريات النفسية التي تفسر العمليات العقلية والسلوكية. كل نظرية تُركّز على جانب معين من النفس البشرية، بدءًا من الدوافع اللاواعية وصولًا إلى العوامل البيئية التي تؤثر على السلوك.

أهم النظريات الأساسية في علم النفس
النظرية التحليلية (سيغموند فرويد)
طوّر سيغموند فرويد نظريته التحليلية النفسية في أوائل القرن العشرين، وركّز فيها على دور اللاوعي في تشكيل شخصية الإنسان. اعتبر فرويد أن العقل يتكون من ثلاثة أجزاء رئيسية: الهو (المسؤول عن الرغبات الفطرية)، والأنا (المسؤول عن اتخاذ القرارات الواعية)، والأنا العليا (المسؤول عن الضمير والقيم الأخلاقية).وفقًا لفرويد، يؤثر اللاوعي على سلوك الإنسان بطرق لا يدركها. مما يجعل من الضروري استكشاف هذه الجوانب المخفية لفهم الشخص بشكل كامل. استخدم فرويد أساليب مثل التداعي الحرّ وتحليل الأحلام لكشف الصراعات الداخلية التي قد تؤثر على السلوك اليومي.
النظرية السلوكية (جون واتسون وبي. إف. سكينر)
ركزت هذه النظرية على السلوك الظاهر بدلًا من العمليات العقلية الداخلية. اعتقد السلوكيون أن الإنسان يتعلم سلوكياته من خلال التفاعل مع البيئة، خاصة عبر التعزيز والعقاب. على سبيل المثال، إذا حصل الطفل على مكافأة عند أداء مهمة معينة، سيكرر هذا السلوك مستقبلًا. أما إذا واجه عقابًا، فسيحاول تجنّب هذا السلوك. لذلك، ترى هذه النظرية أن البيئة تلعب الدور الأكبر في تشكيل الشخصية عند الطفل والسلوك.
النظرية الإنسانية (كارل روجرز وأبراهام ماسلو)
جاءت هذه النظرية كرد فعل على التحليل النفسي والسلوكية. ركّزت على تحقيق الذات وتطوير الإمكانات الفردية. اعتبر ماسلو أن الإنسان يسعى دائمًا لتلبية احتياجاته الأساسية، وصولًا إلى تحقيق الذات. وهو أعلى مستوى من التطور الشخصي.وضع ماسلو هرم الاحتياجات الشهير، حيث تبدأ الاحتياجات من الأساسيات. مثل الطعام والأمان، ثم تنتقل إلى الاحتياجات الاجتماعية، مثل الحب والانتماء، وصولًا إلى تحقيق الذات. حيث يسعى الإنسان إلى تطوير إمكاناته والعيش وفقًا لقيمه الحقيقية.
النظرية المعرفية (جان بياجيه وألبرت باندورا)
أكّدت هذه النظرية على أهمية العمليات العقلية مثل التفكير والإدراك في تفسير السلوك. ركّز جان بياجيه على تطور الإدراك لدى الأطفال، بينما أظهر باندورا أن الإنسان يتعلم من خلال الملاحظة والتقليد. على سبيل المثال، عندما يرى الطفل شخصًا آخر يحصل على مكافأة نتيجة سلوك إيجابي، سيحاول تقليده. هذا ما يُعرف باسم “التعلم بالملاحظة”، وهو جزء أساسي من النظرية المعرفية.
النظرية البيولوجية
تعتمد هذه النظرية على علم الأعصاب لفهم كيفية تأثير الدماغ والجهاز العصبي على السلوك. تربط هذه النظرية بين العمليات البيولوجية والتغيرات السلوكية. موضحةً أن العوامل الجينية والهرمونية قد تؤدّي دورًا في تكوين الشخصية. على سبيل المثال، قد تؤثر مستويات هرمون السيروتونين على الحال المزاجية. ممّا يجعل بعض الأشخاص أكثر عرضة للشعور بالاكتئاب أو القلق.
ما هي المدارس الثلاث لعلم النفس؟
ظهرت في نظريات علم النفس ثلاث مدارس رئيسية أثّرت بشكل كبير على تطور هذا العلم. حيث تميزت كل مدرسة برؤيتها الخاصة لفهم السلوك الإنساني وعلاج الاضطرابات والأمراض النفسية.

1. المدرسة التحليلية
أسّسها سيغموند فرويد، وتقوم هذه المدرسة على فكرة أن الكثير من سلوكيات الإنسان تُحددها دوافع لاواعية نشأت خلال مراحل الطفولة. تستخدم هذه المدرسة التحليل النفسي كوسيلة لفهم تلك الدوافع وعلاج الصراعات النفسية.
على سبيل المثال، إذا واجهت المرأة قلقًا غير مبرر، قد يعزو المعالج النفسي هذا القلق إلى تجربة مؤلمة في الطفولة لم يتم معالجتها بشكل صحيح.
2. المدرسة السلوكية
ظهرت كرد فعل على النظريات التحليلية. ركّز السلوكيون على دراسة السلوك الظاهر الذي يمكن ملاحظته وقياسه. كما يعتقد علماء هذه المدرسة أن التعلم يحدث من خلال التفاعل مع البيئة. خاصّةً عبر التعزيز والعقاب.
على سبيل المثال، إذا اعتادت المرأة على تجنب الحديث أمام الجمهور بسبب تجربة سابقة محرجة، فقد يوصي المعالج بتعريضها تدريجيًا لمواقف مشابهة مع تقديم تعزيز إيجابي لتغيير هذا السلوك.
3. المدرسة الإنسانية
تأسست هذه المدرسة كرد فعل على كل من التحليل النفسي والسلوكية. ركز علماء النفس الإنسانيون، مثل كارل روجرز وأبراهام ماسلو، على تطوير الذات وتحقيق الإمكانات الشخصية. مؤكّدين على أهمية الاحترام والحرية الشخصية في تحقيق التوازن النفسي.
من وجهة نظر هذه المدرسة، يحتاج الإنسان إلى بيئة داعمة تساعده على النمو وتحقيق ذاته، بدلًا من التركيز فقط على علاج المشاكل.
ما هي أنواع النظريات النفسية؟
تتنوع نظريات علم النفس لتشمل عدة فئات تهدف إلى تفسير السلوك الإنساني من زوايا مختلفة، حيث ركزت كل مجموعة على جانب معين من النفس البشرية.

1. النظريات التنموية
تهتم هذه النظريات بتفسير كيفية تطور الإنسان عبر مراحل حياته المختلفة. من أبرزها نظرية جان بياجيه التي ركزت على تطور الإدراك لدى الأطفال، ونظرية إريك إريكسون التي حللت مراحل النمو النفسي والاجتماعي من الطفولة حتى الشيخوخة.
على سبيل المثال، اعتبر إريكسون أن الإنسان يمر بثماني مراحل تطورية. حيث يواجه في كل مرحلة تحديًا نفسيًا يحتاج إلى التغلب عليه للوصول إلى المرحلة التالية بنجاح.
2. النظريات السلوكية
كما ذكرنا سابقًا، تركّز هذه النظريات على كيفية تعلم الإنسان للسلوك من خلال البيئة. يعتبر التعزيز الإيجابي والسلبي جزءًا أساسيًا من هذه النظريات.
على سبيل المثال، إذا حصلت المرأة على تشجيع مستمر في مكان العمل، ستشعر بدافع أكبر لمواصلة الأداء الجيد.
3. النظريات المعرفية
تركز هذه النظريات على العمليات العقلية، مثل التفكير، والتعلم، والذاكرة. من أهم نماذجها نظرية باندورا في التعلم الاجتماعي، والتي أكدت على أن الإنسان يتعلم من خلال مراقبة الآخرين.
إذا رأت الطفلة والدتها تتعامل مع المواقف الصعبة بهدوء، ستتعلم من خلال الملاحظة كيف تتحكم في مشاعرها عند مواجهة تحديات مماثلة.
4. النظريات الديناميكية النفسية
تستند هذه النظريات إلى أفكار فرويد وتلاميذه، وتُركّز على دور اللاوعي في تشكيل شخصية الإنسان وسلوكياته.
على سبيل المثال، قد يعاني شخص من خوف غير مبرر من الفشل بسبب تجربة سابقة لم تُعالَج بشكلٍ صحيح.
5. النظريات البيولوجية
تعتمد هذه النظريات على علم الأعصاب لفهم كيفية تأثير التغيرات البيولوجية في الدماغ على السلوك.
على سبيل المثال، قد يفسّر انخفاض مستوى الدوبامين عند بعض الأشخاص الشعور بالحزن أو فقدان الحافز.
6. النظريات الإنسانية
تُركّز هذه النظريات على تحقيق الذات وتطوير القدرات الشخصية كهدف أساسي للحياة.
إذا شعرت المرأة بأنها تعمل في بيئة تدعم نموها الشخصي والمهني، ستجد نفسها أكثر تحفيزًا لتحقيق أهدافها.
لا شك أنّ نظريات علم النفس تقدّم لنا فهمًا عميقًا لسلوك الإنسان. إذ تسهم في تفسير الدوافع والمشاعر والقرارات التي تشكّل حياتنا اليومية. من خلال هذه النظريات، أصبح بإمكاننا ليس فقط فهم أنفسنا بشكل أفضل، بل أيضًا التعامل مع الآخرين بطريقة أكثر وعيًا وتفهّمًا. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وطرحنا عليكِ اختبار بصري يكشف عن جوانب شخصيّتكِ.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن فهم هذه النظريات لا يُعدّ ترفًا فكريًا، بل هو ضرورة تساعد المرأة على فهم ذاتها وتطوير علاقتها مع محيطها. من المهم أن ندرك أن كل نظرية تقدّم منظورًا مختلفًا، ولكن التوازن بين النظريات المختلفة هو المفتاح لتحقيق وعي أعمق بالنفس والآخرين. لذا، أنصح كل امرأة بالاطلاع على هذه النظريات، ليس فقط لفهم الآخرين، بل لتعزيز إدراكها بذاتها واتخاذ قرارات أكثر وعيًا وارتكازًا على المعرفة العلمية.