تُعَدّ علامات اقتراب الولادة من أهم الإشارات التي يجب أن تراقبها الحامل بدقّة في الأسابيع الأخيرة من الحمل. تبدأ هذه العلامات بالظهور عادةً في الشهر التاسع، وقد تتفاوت من امرأة إلى أخرى. بعضها يكون واضحًا ومباشرًا، كالتقلّصات المتكرّرة أو نزول السدادة المخاطية، وبعضها الآخر يكون تدريجيًا، كالإحساس بالخفة أو تغيّر المزاج. تنذر جميع هذه المؤشرات بقرب موعد الولادة، وتستدعي تحضير الحقيبة وتجهيز المستندات والمستشفى والتفكير الجاد بمرحلة المخاض.
في هذا المقال، سنعرض أهم العلامات التي تشير إلى قرب الولادة، وسنشرح دور كل علامة على حدة بطريقة علمية مبسطة. سنقدّم لكِ أيضًا إشارات تستدعي مراجعة الطبيب فورًا، ونساعدك على التمييز بين علامات الولادة الحقيقية وتلك الكاذبة. تابعي القراءة لتكوني على أتمّ استعداد لتلك اللحظة الاستثنائية.
نزول البطن نحو الأسفل
عندما تلاحظين أن بطنكِ قد أصبح منخفضًا أكثر من المعتاد، فهذه من أوضح علامات اقتراب الولادة. يعود ذلك إلى نزول رأس الجنين نحو الحوض، استعدادًا للخروج. يُعرف هذا التغيّر طبيًا باسم “engagement”، ويحدث عادةً قبل أسبوعين تقريبًا من الولادة لدى الأم البكر. أما في الأحمال التالية، فقد يحصل قبل أيام قليلة فقط من المخاض.
هذا الشعور يرافقه عادةً الإحساس بالخفة في التنفّس، نتيجة تخفيف الضغط على الحجاب الحاجز. لكن في المقابل، تزداد الحاجة إلى التبوّل بسبب ضغط رأس الجنين على المثانة. هذا التحوّل الجسدي طبيعي، ويدلّ على أن الجنين اتخذ وضعية مناسبة للولادة.
تقلّصات قوية ومنتظمة
من أكثر علامات اقتراب الولادة وضوحًا هي التقلّصات الرحمية التي تصبح أكثر شدّة وانتظامًا. بخلاف تقلّصات براكستون هيكس التي تكون غير مؤلمة ومتقطعة، فإن تقلّصات الولادة الفعلية تبدأ بشكلٍ خفيف ثم تشتدّ تدريجيًا وتحدث بوتيرة منتظمة كل 10 دقائق تقريبًا، وتقلّ الفترة بينها مع مرور الوقت.
تشير هذه التقلصات إلى بداية المخاض وتوسّع عنق الرحم. يجب قياس مدّتها وعددها والانتباه إلى ما إذا كانت مصحوبة بآلام أسفل الظهر. في حال استمرّت لأكثر من ساعة وازدادت شدتها، يُفضّل التوجّه إلى المستشفى فورًا.
نزول السدادة المخاطية
يُعَدّ خروج السدادة المخاطية أحد أبرز علامات اقتراب الولادة التي لا يجب تجاهلها. تتكوّن هذه السدادة من مادة مخاطية سميكة تغلق عنق الرحم طيلة فترة الحمل لحمايته من الجراثيم. ومع اقتراب الولادة، يبدأ عنق الرحم بالتمدّد تدريجيًا، ما يؤدي إلى نزول السدادة، إما دفعة واحدة أو على شكل إفرازات مهبليّة متقطعة.
غالبًا ما تكون مصحوبة بكمية قليلة من الدم، ويُطلق على هذا الحدث اسم “العلامة الدموية”. لا تعني بالضرورة أن الولادة ستحدث في نفس اليوم، لكنها تشير إلى أن عنق الرحم بدأ بالتوسّع وأن المخاض قد يبدأ خلال أيام قليلة.
تغيّرات واضحة في المزاج والطاقة
من العلامات المهمة وغير الجسدية أيضًا، هي التغيّرات في الحال المزاجية والنشاط اليومي. كثير من النساء يشعرن فجأة بطاقة مفرطة، تدفعهن لتنظيف المنزل أو ترتيب الأغراض بدقّة، ويُعرف ذلك بـ”غريزة التعشيش”. في المقابل، قد تعاني أخريات من تعب مفرط أو رغبة في العزلة أو البكاء بدون سبب.
هذه التغيّرات النفسية تعود لتبدّل الهرمونات مثل الأوكسيتوسين والبروجستيرون، وهي تمهيد طبيعي لمرحلة الولادة. من الضروري أن تكون المرأة واعية لهذه المشاعر، وألا تهملها، لأنها قد تكون أولى الإشارات التي تسبق المخاض الحقيقي.
الإسهال أو اضطرابات الجهاز الهضمي
من المظاهر التي لا تتوقّعها كثير من الحوامل، أن تكون الاضطرابات الهضمية من علامات اقتراب الولادة. في الواقع، يعمل الجسم على تنظيف الجهاز الهضمي بشكل طبيعي قبل المخاض. فتلاحظ المرأة زيادة حركة الأمعاء، أو قد تعاني من الإسهال الطفيف، وحتى الغثيان في بعض الحالات.
يُفسَّر هذا التغيير علميًا بتأثير هرمونات الولادة على عضلات الأمعاء، ما يؤدي إلى حركية أسرع وتفريغ تلقائي. لا داعي للشعور بالقلق إذا لم يصاحبه جفاف أو ارتفاع حرارة، بل يُعتبر علامة إيجابية.
التوسّع التدريجي في عنق الرحم
خلال الفحوصات الأخيرة التي يجريها الطبيب، يتم قياس مدى توسّع عنق الرحم بالسنتيمتر. يبدأ التوسّع تدريجيًا من 1 حتى 10 سم، وكلما اقترب من الرقم 10، كلما دلّ ذلك على اقتراب الولادة الفعلية. لكن من الجدير بالذكر أن بعض النساء قد يعانين من توسّع بطيء لا يُرافقه ألم في البداية.
من المهم أن تعرفي أن التوسّع لا يحدث بنفس الوتيرة عند كل النساء. لذا، تبقى متابعة الطبيب الدورية ضرورية لرصد هذه العلامة بدقّة.
الخلاصة
باختصار، علامات اقتراب الولادة ليست موحّدة عند جميع النساء، بل تختلف من حمل لآخر. ومع ذلك، تبقى هناك إشارات أساسية يمكن الاعتماد عليها، مثل نزول البطن، وتقلّصات الرحم المنتظمة، ونزول السدادة المخاطية، والتوسّع في عنق الرحم. من المهم متابعة كل علامة، وتسجيل وقتها، ومقارنتها بتوصيات الطبيب لتحديد الوقت المناسب للتوجّه إلى المستشفى.
إنّ اتباع نظام غذائي متوازن، والحصول على الراحة الجسدية والنفسية، والاحتفاظ برقم المستشفى جاهزًا، كلها خطوات ضرورية لضمان ولادة آمنة ومطمئنة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن طرق فعّالة لتسهيل الولاده وفتح الرحم بسرعة.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن وعي المرأة بهذه العلامات يمنحها قوة داخلية واستعدادًا نفسيًا للولادة. فالمعرفة تزيل الخوف وتمنح الثقة. أنصح كل حامل بألا تستهين بأي تغيّر تشعر به، وأن تثق بحدسها الأنثوي، وأن تحتفظ بقائمة واضحة لعوارض الولادة وتضعها في مكان قريب منها. فكل لحظة تمرّ في الشهر الأخير قد تكون بداية حياة جديدة!
