يشكّل علاج التأتأة عند الأطفال أولوية لكل أم تلاحظ أنّ طفلها يكرّر الحروف أو يتوقّف فجأة أثناء الكلام. قد تبدأ هذه الظاهرة بشكل مفاجئ، خاصّةً بين عمر السنتين والخمس سنوات، وهي مرحلة أساسية لتطور اللغة. لا تُعدّ التأتأة دائمًا مشكلة دائمة، لكنها تحتاج إلى متابعة دقيقة وخطة فعّالة من الأم لتفادي تفاقمها وتحويلها إلى نمط دائم في حياة الطفل.
في هذا المقال، نشارككِ خطّة ذكيّة ومبنيّة على دراسات علمية موثوقة لتطبيقها في المنزل. نناقش الأسباب الشائعة للتأتأة، ثم ننتقل إلى أبرز الخطوات المنزلية والمهنية التي تدعم طلاقة الطفل الكلامية. المقال موجّه خصيصًا لكِ كامرأة تسعى بكل حب لبناء ثقة ابنها أو ابنتها بنفسه في كل كلمة ينطقها.
ما هي التأتأة؟ ولماذا تظهر في سن مبكرة؟
تبدأ التأتأة عند الأطفال عادةً في عمر ما قبل المدرسة، عندما تتطوّر قدراتهم الكلامية بسرعة. في هذه المرحلة، يبدأ الدماغ بإنتاج كمّ كبير من المفردات، ما قد يسبب نوعًا من “الازدحام اللغوي”. أي أن الطفل يعرف ما يريد قوله لكنه يعجز عن التعبير عنه بسلاسة.

حسب الجمعية الأمريكية للنطق واللغة (ASHA)، ترتبط التأتأة بعدة عوامل، منها الوراثة، والضغط النفسي، والاختلافات في معالجة اللغة داخل الدماغ. تُشير الدراسات إلى أن 60% من الأطفال الذين يعانون من التأتأة لديهم أحد أفراد العائلة ممّن عانوا منها سابقًا. إضافةً لذلك، قد تؤدّي الأحداث الانفعالية مثل ولادة أخ جديد، أو الانتقال إلى حضانة جديدة، إلى تحفيز ظهور التأتأة.
العلامات المبكرة التي تستدعي الانتباه
من الضروري أن تراقبي طفلكِ بدقة. قد تظهر التأتأة الطبيعية لبضعة أسابيع وتزول من دون تدخل، ولكن هناك علامات تشير إلى الحاجة لعلاج التأتأة عند الأطفال بشكل أسرع:
- تكرار الحروف الأولى من الكلمات أكثر من مرة.
- توقف مفاجئ في منتصف الجملة.
- حركات جسدية مرافقة كرمش العينين أو اهتزاز الرأس.
- إحساس الطفل بالإحراج أو رفضه التحدث أمام الآخرين.
عند ملاحظة هذه المؤشرات، من المهم أن تتصرّفي فورًا بخطوات علاجية مدروسة بدلًا من الانتظار.
خطوات منزلية فعالة لدعم النطق
أنتِ أول من يمكنه تقديم المساعدة لطفلكِ. تُعَدّ الخطوات التالية جزءًا من خطة علاج التأتأة عند الأطفال التي أثبتت فعاليتها في المنزل:

- تحدثي ببطء وهدوء: استخدمي نبرة صوت معتدلة وسرعة بطيئة في الحديث. هذا يُعطي الطفل نموذجًا واضحًا لكيفية نطق الجملة براحة.
- استمعي بانتباه: لا تقاطعي الطفل أثناء التحدث، حتى لو تعثّر. نظراتكِ الهادئة وردود فعلكِ الإيجابية تُشعره بالأمان وتشجّعه على الاستمرار.
- حدّدي وقتًا للحديث: خصّصي وقتًا يوميًا للحديث مع طفلكِ فقط، بدون تشتيت أو أجهزة إلكترونية. هذه اللحظات تُشعره بالاهتمام وتبني ثقته بنفسه.
- امدحي المحاولة وليس الأداء: بدلًا من قول “أحسنت لأنك تكلمت جيدًا”، قولي: “أنا فخورة بك لأنك حاولت”. هذا يُقلّل من الضغط ويعزّز التجربة الإيجابيّة.
- استخدمي القصص واللعب التخيلي: من خلال القصص وتمثيل الأدوار، يُصبِح التعبير أسهل وأقلّ توترًا.
متى تحتاجين إلى مختصّ؟
رغم أهمية العلاج المنزلي، إلا أن بعض الحالات تستدعي تدخّل مختصّ النطق. في الحالات التالية، يُنصح باستشارة مختصّ فوريًا:
- استمرار التأتأة لأكثر من 6 أشهر من دون تحسّن.
- وجود تاريخ عائلي قوي للتأتأة.
- ملاحظة تراجع في رغبة الطفل بالتحدث أو مشاركته الاجتماعية.
- ظهور علامات قلق شديدة مرتبطة بالكلام.
يشمل العلاج عند الطبيب المختصّ تقنيات معتمدة مثل “علاج تعديل الطلاقة” (Fluency Shaping Therapy) أو “علاج تعديل التأتأة” (Stuttering Modification Therapy). وكلّها مصمّمة لتعليم الطفل كيفية التحدّث بسلاسة أكثر وبدون ضغط.
أثبتت الدراسات أن التدخل المبكر يُزيد فرص الشفاء بنسبة تصل إلى 80%. كما أن الشراكة بين الأهل والمعالج تُعَدّ العامل الأقوى في نجاح الخطة العلاجية.
نصائح نفسية وسلوكية تعزّز النجاح
لا يقتصر علاج التأتأة عند الأطفال على النطق فقط، بل يشمل الدعم النفسي والسلوكي. إليكِ بعض النصائح المهمة:

- لا تُصحّحي كلمات الطفل باستمرار. هذا قد يشعره بالفشل ويزيد من تعلثمه.
- أبعدي عنه عبارات مثل: “خذ نفسًا”، أو “اهدأ”. هذه التعليمات تُشعره بأنه يرتكب خطأ، بينما المطلوب هو الأمان والدعم.
- علّمي أفراد العائلة احترام دور الطفل بالكلام. لا تكملي الجمل عنه ولا تتحدثي بدلًا منه.
- احرصي على بيئة هادئة ومستقرة. التوتر المنزلي يُفاقم من التأتأة، لذا اجعلي منزلكِ مساحة مريحة نفسيًا.
الخلاصة
يبدأ علاج التأتأة عند الأطفال من البيت، من قلب الأم التي تُلاحظ وتتابع وتدعم. من خلال اتّباع خطة ذكية تشمل الوعي، الحب، والمثابرة، يمكن لطفلكِ أن يتجاوز هذه المرحلة بثقة ونجاح. التأتأة ليست عيبًا، بل تجربة يمكن تجاوزها عندما تُواجَه بالعقل والقلب معًا. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ كيف تعززين التواصل العائلي في وسط زحمة الحياة اليومية؟
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن كل أم تستطيع أن تكون الخط الدفاعي الأول ضد أي عقبة تواجه نمو طفلها. ثقتكِ بكلامه هي المرآة التي يرى بها قدرته على التعبير. لا تنتظري حتى تتفاقم المشكلة، وابدئي اليوم بخطوات صغيرة تصنع فرقًا كبيرًا. صوت طفلكِ يستحق أن يُسمع بوضوح، من دون خوف أو تردد.