يشرح الشيخ وسيم المزوق في هذا المقال عن خصائص العبادة في الإسلام. تعرفي عليها أكثر وبالتفاصيل في ما يلي:
فالعبادة في اللغة: الطاعة مع الخضوع، وقال الجوهري (أصل العبودية: الخضوع والتذلل). أما تعريف العبادة شرعاً فيقول الراغب: (العبودية: إظهار التذلل، والعبادة أبلغ منها لأنها غاية التذلل).
وللعبادة في الشريعة الاسلامية خصائص عظيمة نذكر منها:
1-المرونة واليسر ورفع الحرج: قال الله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا {البقرة:286}، وقال تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {الحج:78}، وقال تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ {البقرة:185}، وقال الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن:16}. وقال ابن كثير في تفسيره عند قوله الله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ : أي ما كلفكم ما لا تطيقون، وما ألزمكم بشيء يشق عليكم إلا جعل الله لكم فرجا ومخرجا، فالصلاة التي هي أكبر أركان الإسلام بعد الشهادتين تجب في الحضر أربعا، وفي السفر تقصر إلى اثنتين…" وعن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ). رواه أحمد، وقال صلى الله عليه وسلم : "إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه…"رواه البخاري. وفي شرح سنن النسائي للسندي عند شرح يسر هذا الدين: قال السيوطي: "سماه يسرا مبالغة بالنسبة إلى الأديان قبله، لأن الله تعالى رفع عن هذه الأمة الإصر الذي كان على من قبلهم، ومن أوضح الأمثلة له أن توبتهم كانت بقتل أنفسهم، وتوبة هذه الأمة بالإقلاع والعزم والندم".
للمزيد: الشيخ وسيم يشرح عن مفهوم الجمال في الاسلام
2- الشمول: العبادات في الاسلام تنقسم إلى عبادات بدنية(كالصلاة)، وعبادات مالية(كالزكاة)، وعبادات مالية بدنيَّة(كالحج)، فالعبادة تشمل جميع ما يصدر من الإنسان سواء الفعلية أو القلبية أو القولية أو المالية، وتشمل علاقة العبد بربه وعلاقته بين البشر وأفراد المجتمع. قال أحد العلماء:" فالمسلم لا يعبد الله بلسانه فحسب، أو ببدنه فقط، أو بقلبه لا غير، أو بعقله مجردا، أو بحواسه وحدها. بل يعبد الله بهذه كلها: بلسانه ذاكرا داعيا تاليا، وببدنه مصليا صائما مجاهدا، وبقلبه خائفا راجيا محبا متوكلا، وبعقله متفكرا متأملا، وبحواسه كلها مستعملا لها في طاعته سبحانه".
والعبادة ليست محصورة فقط بالصلاة والصوم والزكاة والحج بل العمل الدنيوي يكون عبادة إذا أخلص نيته (كأن ينوي تأمين أسباب العيش الحلال لعائلته لأنه مؤتمن عليهم فيأتي بالمطعم والملبس والمشرب الحلال ويقوم بكفايتهم)، فكل شيء في الحياة يستطيع المسلم أن يحوله إلى عبادة بالنية (فإذا نوى العبد التقوي على طاعة الله تعالى في الطعام والشراب والنوم يكتب له الأجر والثواب)، وفي إزالة الأذى عن الطريق يثاب العبد بل ذلك يعد شعبة من شعب الايمان، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً ، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ ". رواه مسلم.
3- صالحة لكل زمان ومكان: فمن المعلوم بالضرورة من الدين صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان، قال تعالى:(ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [الجاثية: 18]، ولقد تميزت الشريعةُ الاسلامية بعِلم أصول الفقه، قال العلماء في تعريف هذا العلم: "وهو عِلم يضبط عملية استنباط الأحكام منَ الأدلة، ويحول بين الأُمَّة وبين الجمود من ناحية، كما يحول بينها وبين التحلُّل وخلع الرِّبْقَة من ناحية أخرى".
4 – توقيفية: معنى ذلك: أن العبادة موقوفة على الكتاب والسنة، فلا يجوز لأحد أن يزيد فيها أو ينقص من عند نفسه. لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" متفق عليه، وفي الصحيحين وغيرهما عن عابس بن ربيعة قال : رأيت عمر أتى الحجر فقال: (أما والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك، ثم دنا فقبل).
نسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص في العبادة والثبات على الدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.