يُعَدّ التعرّف على أعراض طفل التوحد من الموضوعات المهمّة التي تتطلّب اهتمامًا خاصًّا من الأهل والمربّين. يعتبر التوحّد اضطرابًا في النموّ العصبي يؤثّر على التفاعل الاجتماعي، والسلوك، واللغة. ويختلف تأثيره هذا النوع من الأمراض النفسية التي تصيب الاطفال من طفل لآخر، حيث يُظهر البعض عوارضًا بسيطة، بينما يعاني آخرون من تحدّيات أكثر تعقيدًا.
سنناقش في هذا المقال العلامات الرئيسيّة التي قد تشير إلى إصابة الطفل بالتوحد، وسنتطرّق إلى كيفيّة معرفة العوارض في سنٍّ مبكرة، مع عرض العمر الذي يمكن أن تظهر فيه، وما إذا كان يمكن للطفل الشفاء من طيف التوحد. سنقدم أيضًا رؤية شاملة مبنيّة على دراسات علمية موثوقة وآراء الخبراء في هذا المجال.
كيف أعرف أن الطفل مصاب بالتوحد؟
قد تختلف أعراض طفل التوحد من طفل لآخر، لكن هناك بعض العلامات الشائعة التي يمكن أن تكون مؤشّرًا على وجود الاضطراب، وسنكشف لكِ عن أبرزها.
هناك عدّة علامات رئيسيّة قد تدلّ على إصابة الطفل بالتوحد:
- الصعوبات في التفاعل الاجتماعي: بحسب موقع The University of Kansas في مقالة نُشِرَت عبره تحت عنوان “Social difficulties in autism spectrum disorder“، قد يعاني الطفل المصاب بالتوحد من صعوبات في التواصل الاجتماعي. قد يتجنب التواصل البصري، لا يستجيب عندما يُنادى باسمه، أو يفضل اللعب وحده بدلًا من التفاعل مع الآخرين.
- تأخّر في المهارات اللغويّة: من العوارض الشائعة هو تأخّر الطفل في الكلام أو وجود صعوبة في استخدام اللغة بشكلٍ مناسب. قد يتحدث الطفل، لكنّه يجد صعوبة في التواصل مع الآخرين باستخدام الكلمات، أو قد يكرّر نفس العبارات من دون فهم السياق.
- السلوكيات المتكررّة: غالبًلأ ما يُظهِر الأطفال المصابون بالتوحّد سلوكيات متكرّرة مثل التلويح بالأيدي، الدوران حول أنفسهم، أو الاهتمام المفرط بأشياء محدّدة مثل عجلات السيارات أو ألوان معيّنة.
- التعلّق بروتين معيّن: من السمات المميّزة للأطفال المصابين بالتوحّد هو التعلّق بروتين يومي معيّن. وأيّ تغيير فيه قد يسبّب لهم اضطرابًا كبيرًا.
يمكن أن يساعد التعرف على أعراض طفل التوحد في سن مبكرة في توفير العلاج والدعم المناسب للطفل، ممّا يحسّن فرصه في تطوير مهاراته الاجتماعية والتواصلية.
ما العمر الذي يصاب فيه الطفل بالتوحد؟
قد تبدأ أعراض طفل التوحد في الظهور في مرحلة الطفولة المبكرة، وعادةً ما تكون واضحة بين عمر السنة والسنتين. في هذا العمر، يبدأ الأهل في ملاحظة أنّه قد لا يتفاعل مع محيطه بنفس الطريقة التي يتفاعل بها الأطفال الآخرون.
بحسب المعهد الوطني لصحة الطفل والتنمية البشرية National Institute of Child Health and Human Development في مقالة “When do children usually show symptoms of autism?” التي نُشِرَت عام 2017، تشير الدراسات إلى أنّ الأطفال قد يظهرون علامات التوحّد في عمر 18 شهرًا، لكن في بعض الأحيان قد تبدأ بالظهور بعد هذا العمر. هناك بعض الحالات التي يبدو فيها الطفل طبيعيًا في أول سنتين من حياته، ثم يبدأ في التراجع في مهاراته الاجتماعية واللغوية. في هذه الحال، يُطلق عليها التوحد “الانحداري”، حيث يلاحظ الأهل تراجعًا في قدرات الطفل بعد أن كانت تطوره الطبيعي جيدًا.
قد يساعد التشخيص المبكر في هذه المرحلة العمريّة في تحسين نتائج التدخّلات العلاجيّة. من المهم أن يكون الأهل على دراية بقدرة الطفل على التفاعل مع الآخرين، ومهاراته اللغوية، وطريقة لعبه، لأنّ هذه المؤشرات قد تكون أساسيّة في التعرف على أعراض طفل التوحد.
هل يشفى الطفل من طيف التوحد؟
يُعَدّ السؤال عن إمكانيّة شفاء الطفل من طيف التوحد من أكثر الأسئلة شيوعًا بين الأهل. الحقيقة أن التوحد ليس مرضًا بالمعنى التقليدي، بل هو اضطراب تطوري يمكن التعايش معه وتقديم الدعم للطفل لتحقيق أقصى قدر من إمكانيّاته.
يمكن أن يساهم التدخّل المبكر وتقديم العلاج المناسب بشكل كبير في تحسين حياة الأطفال المصابين بالتوحد. فقد أثبتت العديد من الدراسات أن الأطفال الذين يحصلون على دعم وتدريب مكثف في مراحل مبكرة من حياتهم يمكن أن يظهروا تحسنًا كبيرًا في مهاراتهم الاجتماعيّة واللغويّة، وحتى السلوكية. على سبيل المثال، أثبتت تقنيات العلاج السلوكي التطبيقي (ABA) فعاليتها في تقليل السلوكيات المتكرّرة وتعزيز التفاعل الاجتماعي. وهذا ما أكّده موقع Wellspring Learning Centers في مقالة نُشِرَت عبره هذا العام تحت عنوان “Common ABA Techniques Used in Autism Therapy“.
على الرغم من أنّ أعراض طفل التوحد قد تستمرّ معه طوال حياته، فإنّ ذلك لا يعني عدم إمكانية تحقيق تقدم كبير. بمرور الوقت، ومع التدريب المناسب، يمكن للطفل أن يتعلم كيفية التعامل مع التحديات التي يواجهها بشكل أفضل. يستطيع بعض الأطفال أن يتفاعلوا مع المجتمع وأن يندمجوا في الحياة الاجتماعيّة بشكلٍ جيّد، بينما قد يحتاج آخرون إلى الحصول على دعمٍ مستمرّ.
في النهاية، إنّ معرفة أعراض طفل التوحد يُعَدّ أمرًا بالغ الأهميّة للأهل والمعلّمين والأطباء. والتشخيص المبكر والدعم المناسب يمكن أن يحدثا فرقًا كبيرًا في حياة الطفل ويعزّزا فرصته في تحقيق تطوّرًا إيجابيًا. على الأهل أن يكونوا على دراية بأيّ علامات غير طبيعيّة في سلوك الطفل أو تطوّره اللغوي والاجتماعي، وألّا يتردّدوا في طلب المشورة الطبيّة إذا كان هناك أيّ شكّ. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وأطلعناكِ على الفرق بين التوحّد وطيف التوحّد.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ دور الأهل لا يقتصر على توفير العلاج والمتابعة الطبية فحسب، بل يمتدّ ليشمل توفير بيئة داعمة ومحبّة للطفل. والتوحّد ليس عائقًا أمام النجاح والتطوّر، بل هو تحدٍّ يمكن تجاوزه بالمثابرة والصبر. من الضروري أن نساعد الطفل المصاب بهذا الاضطراب على اكتشاف قدراته، وتعزيز نقاط قوّته، وتقديم الدعم اللازم له ليصبح فردًا فعّالًا في المجتمع.