يُعَدّ علاج تورم القدمين بعد الولادة الطبيعية من الأمور التي تشغل بال كثير من الأمهات الجدد، خاصةً مع الشعور بالألم المفاجئ وصعوبة الحركة التي قد ترافق هذه الحال. قد يبدو هذا التورم مُقلِقًا، لكنه في الواقع أمر شائع، ويعود لعدة أسباب فسيولوجية. أهمها احتباس السوائل وتغيرات الدورة الدموية أثناء الحمل وبعد الولادة.
في هذا المقال، نستعرض سويًا الأسباب العلمية وراء تورم القدمين بعد الولادة الطبيعية، ثم ننتقل إلى تقديم أبرز النصائح الطبية والعادات المنزلية التي تُساهم في التخفيف من حدة التورم وتسريع عملية الشفاء، إضافةً إلى أهم المؤشرات التي تستدعي استشارة الطبيب فورًا.
لماذا يحدث التورم بعد الولادة؟
يُعرَف تورم القدمين بعد الولادة طبيًا بالـ “Edema”، ويُعتبَر نتيجة مباشرة لتغيرات الحمل والولادة. أثناء الحمل، يزداد حجم الدم وسوائل الجسم بنسبة تصل إلى 50٪، وذلك لدعم نمو الجنين. بعد الولادة، يبدأ الجسم تدريجيًا بالتخلص من هذه السوائل الزائدة عبر البول والتعرّق. ممّا يؤدّي إلى تراكم مؤقت في الأطراف السفلية.
وفقًا لدراسة نُشرت في مجلة American Journal of Obstetrics and Gynecology، فإن 60% من النساء يُعانين من تورم خفيف إلى متوسط في القدمين بعد الولادة، ويستمر التورم عادة من أسبوع إلى أسبوعين.
أهم الأسباب تشمل:
- الضغط الوريدي الناتج عن وزن الرحم خلال الحمل.
- تغيرات الهرمونات، خصوصًا ارتفاع مستوى البروجستيرون.
- الراحة الطويلة في السرير بعد الولادة.
- السوائل الوريدية التي تُعطى خلال الولادة أو بعدها.
نصائح بسيطة للتخفيف من التورم
تبدأ الخطوة الأولى في علاج تورم القدمين بعد الولادة الطبيعية من العادات اليومية البسيطة. هناك مجموعة من الخطوات المنزلية الفعالة، وهي مدعومة علميًا وتُساعد على تحفيز الدورة الدموية وتحسين التصريف اللمفاوي.
- ارفعي قدميكِ عدة مرات في اليوم فوق مستوى القلب.
- مارسي المشي الخفيف داخل المنزل لتحفيز حركة الدم.
- اشربي كميات كافية من الماء لمساعدة الجسم على طرد السوائل.
- قلّلي من تناول الصوديوم لأن الأملاح تُفاقم من احتباس السوائل.
- ارتدي الجوارب الضاغطة التي تُستخدم غالبًا لمنع تجمّع الدم في الأطراف.
- استلقي على جانبكِ الأيسر لتحسين تدفق الدم نحو القلب.
أثبتت دراسة صادرة عن The Journal of Maternal-Fetal & Neonatal Medicine أن النساء اللواتي التزمن بالمشي اليومي لمدة 20 دقيقة أظهرن تحسنًا أسرع في تورم الأطراف مقارنة باللواتي استمررن في الحصول على الراحة الكاملة.
علاجات طبيعية وماء دافئ وبارد
تُمثّل العلاجات الطبيعية جانبًا مهمًا في علاج تورم القدمين بعد الولادة الطبيعية، خاصّةً حين تُستخدَم بشكلٍ آمن ومتوازن. يُعَدّ الحمّام المتناوب بين الماء الدافئ والبارد من أبرز الطرق لتخفيف الاحتقان وتحسين مرونة الأوعية الدموية.
- استخدمي مناشف مبللة بماء بارد لتغطية قدميكِ لمدة 15 دقيقة.
- انقعي قدميكِ في ماء دافئ مع ملح إبسوم، المعروف بقدرته على تحسين الدورة الدموية.
- ضعي كمادات شاي البابونج أو الزنجبيل، فلهما تأثير مضاد للالتهاب.
عند استخدام أي مكوّن عشبي، من الضروري التأكد من عدم وجود تحسس جلدي أو تفاعلات دوائية، خاصّةً في حال تناول أدوية بعد الولادة.
متى يكون التورم خطرًا؟
رغم أنّ علاج تورم القدمين بعد الولادة الطبيعية لا يتطلب غالبًا تدخلًا طبيًا، إلا أن هناك حالات تستوجب الاستشارة الفورية.
اتصلي بالطبيب إذا لاحظتِ:
- تورم في قدم واحدة دون الأخرى.
- ألم حاد في الساق أو الكاحل.
- احمرار أو سخونة في منطقة التورم.
- ضيق تنفس أو ألم في الصدر.
قد تُشير هذه العوارض إلى تجلّط وريدي عميق (DVT)، وهي حال نادرة لكنها خطيرة، ويجب التعامل معها سريعًا. بحسب CDC، تزداد نسبة خطر الإصابة بتجلطات الأوردة خلال الأسابيع الستة الأولى بعد الولادة.
أهمية الحصول على الراحة النفسية والدعم العاطفي
لا يقتصر علاج تورم القدمين بعد الولادة الطبيعية على الإجراءات الجسدية فحسب، بل يتطلب أيضًا راحة نفسية وبيئة داعمة. الضغط النفسي والإرهاق يُبطئان من قدرة الجسم على التعافي. لذلك:
- خصّصي وقتًا يوميًا للاسترخاء والتنفس العميق.
- تحدّثي مع شريككِ أو صديقاتكِ عن مشاعرك.
- اطلبي المساعدة في رعاية المولود لتمنحي نفسكِ وقتًا للتعافي.
الدعم العاطفي الإيجابي يُسرّع الشفاء الجسدي، حسب ما ذكرته دراسة نشرتها Psychosomatic Medicine عام 2020.
الخلاصة
يُمكن القول إنّ علاج تورم القدمين بعد الولادة الطبيعية يتطلب مزيجًا من الراحة، والتحفيز الجسدي، والعناية المنزلية، والانتباه إلى المؤشرات الطبية المهمة. باتباع النصائح اليومية، يُمكنكِ تقليل الألم وتحقيق شفاء أسرع من دون الحاجة إلى تدخلات دوائية. استمعي إلى جسدكِ، وتواصلي مع طبيبكِ عند الحاجة، وامنحي نفسكِ الوقت الكافي لاستعادة قوتكِ. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن تمارين تسرّع عمليّة الشفاء بعد الولادة.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أؤمن بأن التورم بعد الولادة هو رسالة من الجسد تُذكّرنا بأنّ الأمومة تبدأ بالعناية بالذات. لا تتجاهلي الألم، ولا تتعجّلي الشفاء. كل خطوة صغيرة للعناية بجسدكِ هي في الحقيقة خطوة كبيرة نحو تعافٍ شامل يُعيد إليكِ الراحة والطمأنينة.
