تُعَدّ مواجهة شعور الم في المبايض قبل الدورة من الأمور التي تثير قلق الكثير من النساء، خاصّةً عندما يتكرر أو يصبح أكثر حدّة مع الوقت. يُعتبر هذا النوع من الألم شائعًا إلى حدٍّ ما، وتختلف أسبابه بين العوامل الطبيعية والتغيرات الهرمونية. وأحيانًا يكون مؤشرًا على المعاناة من حال صحية تتطلب تدخّلًا طبيًا. لذلك، من المهم التمييز بين الشعور بالألم الطبيعي الذي يسبق الدورة الشهرية والألم غير الطبيعي الذي قد يدلّ على وجود مشكلة.
في هذا المقال، سنشرح الأسباب الطبيعية الشائعة وراء الشعور بألم المبايض، ونفصّل العلامات التي تشير إلى ضرورة زيارة الطبيب. كما سنعرض الحالات الصحية المرتبطة بهذا النوع من الألم، ونقدم نصائح للتخفيف من عوارض الدورة الشهريّة.
الأسباب الطبيعية وراء ألم المبايض قبل الدورة
في البداية، لا بد من التأكيد أن الم في المبايض قبل الدورة قد يكون طبيعيًا. يعود السبب في ذلك غالبًا إلى التقلّبات الهرمونية التي تسبق نزول الدورة الشهرية. ففي النصف الثاني من الدورة، يرتفع هرمون البروجستيرون ويؤدي إلى تغيّرات في أنسجة المبيضين. مما يسبّب شعورًا بالانزعاج أو الألم الطفيف في أحد الجانبين أو كليهما.

أيضًا، قد يكون الشعور بالألم نتيجة ما يُعرف بمتلازمة التبويض (Mittelschmerz). وهي حال تصيب بعض النساء بعد إطلاق البويضة، وتظهر غالبًا في منتصف الدورة. قد يستمر الشعور بالألم حتى بداية الحيض، من دون أن يشير إلى وجود مرض.
تُظهر دراسة منشورة في Journal of Obstetrics and Gynaecology Research أن أكثر من 40% من النساء يعانين من ألم دوري في المبيض، من دون وجود أي خلل مرضي. ويكون ذلك ناتجًا عن النشاط الهرموني الطبيعي قبل الحيض.
متى يصبح ألم المبايض مدعاة للقلق؟
رغم أنّ وجود الم في المبايض قبل الدورة يمكن أن يكون طبيعيًا، إلا أن هناك علامات تستوجب الانتباه. فإذا كان الألم:
- حادًّا جدًّا ولا يخف مع مرور الوقت.
- يصاحبه ارتفاع في الحرارة أو غثيان.
- يمتد إلى أسفل الظهر أو الساقين.
- يصاحبه نزيف غير طبيعي أو إفرازات غير معتادة.
- يمنعكِ من ممارسة حياتكِ اليومية.
فقد يكون مؤشرًا على المعاناة من حال صحية كامنة، مثل تكيّسات المبيض أو التهاب الحوض.
هنا، يصبح من الضروري زيارة الطبيب لإجراء الفحوصات اللازمة، خاصّةً إذا كان الشعور بالألم يتكرر كل شهر بنفس الحدة أو يزداد مع الوقت. يُعتبَر التصوير بالموجات فوق الصوتية (ultrasound) الوسيلة الأولى لتقييم الوضع، وقد يتبعه تحليل للدم أو فحص للحوض بحسب ما تقتضي الحال.
الحالات الصحية المرتبطة بألم المبايض قبل الدورة
في بعض الأحيان، يرتبط الم في المبايض قبل الدورة بوجود حال مَرَضيّة تتطلّب علاجًا، ومنها:

- تكيس المبايض: من أكثر الأسباب شيوعًا. وهي حال تظهر في صورة أكياس مائية أو صلبة تعيق التبويض وتسبب شعورًا متكرّرًا بالألم.
- بطانة الرحم المهاجرة: تؤدّي إلى نمو نسيج البطانة خارج الرحم، وتسبب شعورًا شديدًا بالألم قبل نزول الدورة وأثناءه.
- التهاب الحوض: وهو التهاب جرثومي يصيب الجهاز التناسلي ويصاحبه ألم مزمن في الحوض.
- أورام المبايض: وإن كانت نادرة، إلا أن بعض الأورام قد تسبب ضغطًا وألمًا متكررًا.
تشير دراسة نُشرت في American Journal of Reproductive Immunology إلى أن النساء المصابات ببطانة الرحم المهاجرة يشعرن بألم في المبايض قبل الدورة بشكل أكثر حدة من غيرهن. كما أنّهنَّ يعانين من عوارض مرافقة مثل الشعور بألم في المثانة أو المستقيم.
كيف يمكن التخفيف من الشعور بالألم؟
من الجيد أن تعرفي أنه يمكن التعامل مع الم في المبايض قبل الدورة باتّخاذ بعض الإجراءات المنزلية أو تناول الأدوية البسيطة، خاصّةً إذا لم يكن ناتجًا عن المعاناة من مرض. إليكِ أبرز النصائح:
- تطبيق الكمادات الدافئة: تساعد على استرخاء العضلات وتخفيف الألم.
- شرب السوائل بكثرة: لتقليل احتباس السوائل والتشنجات.
- ممارسة الرياضة الخفيفة: مثل المشي أو اليوغا لتقليل التوتّر الجسدي.
- المسكنات البسيطة: مثل الباراسيتامول أو الإيبوبروفين، لكن فقط بعد استشارة الطبيب.
أما في الحالات المرضية، فالعلاج يعتمد على السبب. على سبيل المثال، قد يشمل علاج تكيس المبايض تناول حبوب منع الحمل لتنظيم الهرمونات، بينما تحتاج بطانة الرحم المهاجرة إلى علاج هرموني أو حتى تدخل جراحي في بعض الحالات.
من المهم جدًّا عدم إهمال الألم إذا كان يتكرر أو يزداد، لأن التدخل المبكر يساعد في تجنّب المضاعفات.
متى يجب زيارة الطبيب؟
في بعض الحالات، لا يكفي الاعتماد على المسكنات أو الراحة. عندما يصبح الم في المبايض قبل الدورة مزعجًا جدًا أو مختلفًا عن المعتاد، يُفضل استشارة مختصّ نسائي لتحديد السبب بدقة.

يُنصح بزيارة الطبيب إذا استمر الألم لأكثر من يومين، أو ظهر في وقت غير متوقع من الدورة، أو إذا كان مصحوبًا بعوارض مثل الغثيان، والقيء، والحمى، أو تغيّرات في الوزن أو الدورة الشهرية نفسها. كما أنّ تكرار الألم شهريًا بنفس الشدة يشير إلى ضرورة المتابعة الطبية. إنّ إجراء الفحوصات الدورية يتيح التشخيص المبكر، خاصّةً لحالات مثل الانتباذ البطاني الرحمي أو تكيس المبايض. ممّا يُساعد في تجنب التأخر في العلاج وتفاقم العوارض.
الخلاصة
قد تكون المعاناة من الم في المبايض قبل الدورة حال طبيعيّة في كثير من الأحيان، ناتجة عن التغيرات الهرمونية الدورية أو عملية التبويض. ولكن، إذا ترافق هذا الشعور مع عوارض غريبة أو أصبح يؤثر سلبًا على حياتك، فلا تهمليه. التشخيص المبكر ضروري ويمنع تطوّر الحالات الصحية نحو الأسوأ.
الاستماع لجسدكِ هو المفتاح. لاحظي النمط، وتابعي العوارض، وتواصلي مع طبيبكِ إذا لاحظتِ أي شيء غير مألوف. لأن صحة المرأة تبدأ من الوعي والمتابعة الدقيقة لأي تغير. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن خطورة قلة دم الدورة.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن التثقيف حول ألم المبايض قبل الدورة يجب أن يكون من أولويات كل امرأة. لا يجب أن نتجاهل الإشارات التي يرسلها الجسم، فالشعور بالألم ليس عيبًا ولا ضعفًا، بل هو رسالة تستحق الإصغاء. لا تترددي في طرح أسئلتكِ على الطبيب، ولا تستهيني بما تشعرين به، حتى لو قيل لكِ مرارًا إنّه “شيء طبيعي”. القرار الصحيح يبدأ بالمعلومة الدقيقة.