قد يثير سبب اختلاف فصيلة دم الجنين عن والديه قلق الكثير من الأهالي، خصوصًا عند إجراء فحوصات الدم الروتينية أثناء الحمل أو بعد الولادة. فتَرى الأم تحمل فصيلة دم، والأب فصيلة مختلفة، والطفل فصيلة ثالثة لا تشبه أيًّا منهما. عندها يبدأ التفكير: هل في الأمر خلل؟ أو هناك اضطراب وراثي؟ أم أن الأمر طبيعي ولا يستدعي الخوف؟
في هذا المقال، نوضح كيف تتكوّن فصائل الدم، وما العوامل التي تؤدّي إلى اختلافها، وهل هذا يُعدّ مؤشرًا على مشكلة وراثية أم أنه ببساطة نتيجة علم الوراثة الطبيعي. سنقدّم شرحًا مفصّلًا مدعومًا بأدلة علمية، مع توضيح الحالات التي يجب فيها القلق، والحالات التي تُعَدّ طبيعية تمامًا.
كيف تتكوّن فصائل الدم؟
فصائل الدم تُحدَّد من خلال جينات موروثة من الأب والأم. العامل الأساسي هنا هو نظام ABO، الذي يشمل أربع فصائل رئيسية: A، B، AB، وO. كل إنسان يرث جينين، واحد من كل والد. بناءً على تركيبة هذين الجينين، تتكوّن فصيلة الدم. على سبيل المثال:

- إذا ورث الجنين جين A من أحد الوالدين وجين B من الآخر، فصيلة دمه ستكون AB.
- إذا ورث جين O من كليهما، فستكون فصيلته O.
- إذا ورث A وO، ستكون فصيلته A، لأن A يُعتبر سائدًا على O.
إذًا، يمكن تفسير سبب اختلاف فصيلة دم الجنين عن والديه من خلال هذه القواعد الجينية. فالاختلاف لا يعني بالضرورة خطأ، بل قد يكون ناتجًا عن تركيبة طبيعية من الجينات السائدة والمتنحّية.
العامل الريزوسي RH وأهميته
إضافةً إلى نظام ABO، هناك ما يُعرف بالعامل الريزوسي (RH). وهو بروتين موجود على سطح خلايا الدم الحمراء. إذا كان موجودًا، تكون فصيلة الدم موجبة (+)، وإذا غاب تكون سالبة (-).
في بعض الحالات، الأم تكون RH-، والجنين RH+. قد تُسبّب هذه الحال مضاعفات تُعرف باسم “عدم توافق العامل الريزوسي”، حيث يتعامل جسم الأم مع دم الجنين وكأنه جسم غريب، ويبدأ بإنتاج أجسام مضادة تهاجمه. هذا لا يحدث عادةً في الحمل الأول، لكنه قد يشكل خطرًا في الأحمال التالية إذا لم تُتّخذ الإجراءات الوقائية المناسبة.
وبالتالي، سبب اختلاف فصيلة دم الجنين عن والديه قد لا يكون خطيرًا بحد ذاته، لكن إذا شمل اختلافًا في العامل RH، يجب مراقبة الوضع عن كثب من قِبل الأطباء.
هل يدل الاختلاف على مشكلة وراثية؟
تكون الإجابة غالبًا لا. فاختلاف الفصيلة لا يعني وجود خلل جيني أو اضطراب وراثي. معظم الحالات تُفسَّر من خلال قواعد الوراثة المعروفة. على سبيل المثال، إذا كان الأب من فصيلة A والأم من فصيلة B، يمكن أن يكون الطفل من أي فصيلة (A، B، AB، أو O) بحسب الجينات المتنحّية والسائدة.

لكن، في حالات نادرة، قد يظهر اختلاف غير متوقع تمامًا. حينها قد يُجري الطبيب اختبارات إضافية للتحقّق من النسب أو للتأكد من عدم وجود اضطرابات جينية نادرة. مع ذلك، تبقى هذه الحالات استثنائية جدًا.
لذلك، من المهم عدم القفز إلى الاستنتاجات. لا يُعَدّ سبب اختلاف فصيلة دم الجنين عن والديه ليس دليلًا كافيًا على وجود خلل وراثي، بل هو غالبًا نتيجة طبيعية للتكوين الجيني.
هل يُمكن التنبؤ بفصيلة دم الجنين مسبقًا؟
نعم، إلى حدّ ما. من خلال معرفة فصيلة دم الوالدين، يمكن تقدير الاحتمالات. مثلًا:
- إذا كان كلا الوالدين من فصيلة O، فلا يمكن أن يكون الطفل من فصيلة A أو B أو AB.
- إذا كان أحدهما AB والآخر O، فالطفل سيكون إما A أو B، وليس O أو AB.
ومع ذلك، يبقى الأمر في النهاية احتمالًا، وليس يقينًا. فالجينات تُورّث بطرق مختلفة، والنتيجة النهائية تعتمد على التركيبة الدقيقة لكل من الأب والأم.
كما توفّر بعض المختبرات حاليًا فحوصات متقدمة تستطيع تحديد فصيلة دم الجنين في الرحم من خلال تحليل بسيط لعينة من دم الأم، من دون الحاجة لأي تدخل جراحي.
ما العلاقة بين فصائل الدم والأمراض الوراثية؟
يعتقد البعض أنّ سبب اختلاف فصيلة دم الجنين عن والديه قد يرتبط ببعض الأمراض الوراثية. لكنّ الحقيقة أنّ فصيلة الدم لا تحدّد وجود مرض وراثي. مع ذلك، هناك بعض الدراسات التي أظهرت أنّ بعض فصائل الدم قد تكون أكثر عرضةً للإصابة ببعض الأمراض، مثل زيادة خطر التجلّط عند أصحاب فصيلة AB أو الحساسية لبعض الفيروسات عند أصحاب فصيلة O. مع ذلك، لا علاقة مباشرة بين اختلاف فصيلة دم الجنين والأمراض الوراثية المعروفة مثل التليّف الكيسي أو الأنيميا المنجلية، لأن هذه الأمراض تنتقل عبر جينات خاصة لا تتعلّق بنظام ABO أو RH.

لذا، من الضروري التمييز بين الوراثة الجينية لفصائل الدم وبين الوراثة الجينية للأمراض، فلكلٍّ منهما مسار مختلف في الجسم.
الخلاصة
في النهاية، يُعدّ اختلاف فصيلة دم الجنين عن فصيلة دم والديه أمرًا شائعًا وطبيعيًا ناتجًا عن التركيبة الجينية المتنوعة. لا يدلّ هذا الاختلاف غالبًا على أي مشكلة وراثية، بل على تنوّع في المورّثات التي يحملها كل من الأب والأم. فقط في حالات نادرة يتطلّب الأمر تدخّلًا طبيًّا، خاصة إذا كان هناك تعارض في العامل الريزوسي أو مضاعفات أثناء الحمل. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن انواع فصائل الدم وخصائصها وتاثيرها على شخصيتك!
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن نشر الوعي حول موضوع فصائل الدم والعوامل الوراثية ضروري لكل زوجين يستعدّان لاستقبال طفل. فالمعرفة تُخفّف من القلق، وتُساعد على اتخاذ قرارات صحيحة. أوصي كل أم وأب بأن يناقشوا هذا الموضوع مع الطبيب منذ بداية الحمل، ويفهموا احتمالات فصيلة دم الطفل، خاصّةً في ما يتعلّق بالعامل RH. التوجيه الصحيح منذ البداية قد يُجنّب مضاعفات لاحقة، ويمنح الأهل راحة البال.