تُعَدُّ الوقاية من الحمل المبكر لدى المراهقات قضية ملحّة تمسّ صحة الأجيال القادمة بشكل مباشر. خلال العقود الأخيرة، عملت مؤسسات الصحة العالمية على خفض معدلات الحمل بين الفتيات الصغيرات، نظرًا لما يحمله من مخاطر صحية ونفسية جسيمة. ورغم الجهود المبذولة، ما زال الحمل المبكر يُهدد ملايين الفتيات حول العالم. خاصة في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.
في هذا السياق، أطلقت منظمة الصحة العالمية (WHO) دليلًا محدثًا يسعى إلى كسر الحلقة المفرغة التي تربط بين الزواج المبكر، والفقر، ونقص التعليم، ومحدودية الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية. يُحدّد الدليل حلولًا عملية تسعى إلى تغيير واقع الفتيات وتمكينهنّ من بناء مستقبل أكثر أمانًا وازدهارًا.
1. تعزيز التعليم كوسيلة للوقاية
يؤدّي التعليم دورًا حاسمًا في حماية الفتيات من الحمل المبكر. تظهر الدراسات أن الفتاة التي تُكمل تعليمها الثانوي تنخفض احتمالية زواجها وحملها في سن مبكرة بشكل كبير. لذلك، دعت منظمة الصحة العالمية إلى توفير حوافز تدعم استمرار الفتيات في الدراسة، مثل المنح الدراسية والمساعدات المالية المباشرة للأسر.

من ناحية أخرى، شدّدت التوصيات على أهمية خلق بيئات تعليمية آمنة ومراعية لاحتياجات المراهقات، لضمان عدم تسربهنّ من المدارس. فبقاء الفتاة في المدرسة لا يؤمن لها المعرفة فقط، بل يحميها أيضًا من مخاطر الزواج القسري والعنف المبني على النوع الاجتماعي.
2. منع الزواج المبكر
يُعدُّ الزواج المبكر عاملًا رئيسيًا يدفع نحو الحمل المبكر. غالبًا ما تُجبر الفتيات على الزواج قبل بلوغ الثامنة عشرة. ممّا يحرمهنّ من طفولتهنّ، ويُعرّض صحتهنّ للخطر. بناءً على ذلك، أوصت منظمة الصحة العالمية بتطبيق قوانين صارمة تحظر زواج الأطفال. مع تفعيل حملات توعوية مجتمعية تهدف إلى تغيير العادات والممارسات الثقافية الضارة.
لم تكتفِ التوصيات بالدعوة إلى سنّ القوانين، بل أكّدت على ضرورة العمل مع القادة الدينيين والمجتمعيين لنشر رسائل واضحة حول مخاطر الزواج المبكر، ودعم حقوق الفتيات في اتخاذ قراراتهنّ بحرية.
3. تحسين الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية
لا يمكن تحقيق أي تقدّم ملموس من دون تأمين خدمات صحية ملائمة للمراهقات. ركّز الدليل الجديد على ضرورة توفير خدمات الصحة الجنسية والإنجابية بطريقة تراعي احتياجات الشباب، بعيدًا عن الأحكام المسبقة أو المعاملة التمييزية.
كما أوصى بإلغاء شرط موافقة ولي الأمر للحصول على وسائل منع الحمل في العديد من الدول، نظرًا لأن هذا الشرط يقف حاجزًا أمام حصول الفتيات على الدعم الذي يحتجن إليه. من الضروري أيضًا تدريب العاملين في المجال الصحي على تقديم الرعاية باحترام ومهنية، من دون وصم أو تمييز.
4. دور التثقيف الجنسي الشامل
تُعدّ التوعية الجنسية الشاملة حجر زاوية في تقليل نسب الحمل المبكر. عندما تعرف الفتاة كيفية حماية نفسها، وتفهم الخيارات المتاحة لها، تصبح أكثر قدرة على اتخاذ قرارات مدروسة حول حياتها الإنجابية. لهذا السبب، شدّدت منظمة الصحة العالمية على ضرورة دمج برامج التثقيف الجنسي في المناهج الدراسية. بحيث تشمل معلومات دقيقة وعلمية عن الجسد، والعلاقات الصحية، ووسائل منع الحمل.

أثبتت الأبحاث أن التثقيف الجنسي المبني على أُسُسٍ علميّة يساهم في تأخير بدء النشاط الجنسي، ويزيد من معدلات استخدام وسائل الحماية. ممّا يؤدّي بدوره إلى خفض معدلات الحمل المبكر بشكل ملحوظ.
5. دعم الفتيات أثناء وبعد الحمل
عندما تقع الفتاة في تجربة حمل مبكر، تحتاج إلى دعم شامل يحميها من مزيد من الأذى. شدّدت التوصيات على أهمية توفير خدمات رعاية صحية عالية الجودة خلال الحمل والولادة، بما يشمل الدعم النفسي والاجتماعي. كذلك، شددت على ضمان حق الفتاة في الوصول إلى خدمات الإجهاض الآمن حيثما كان ذلك قانونيًا، في ظل ظروف تحترم كرامتها وحقوقها.
يجب أن تُتاح للفتيات أيضًا فرص لإكمال تعليمهنّ بعد الولادة، من خلال سياسات مرنة تدعم الأم الشابة في مواصلة مسيرتها الأكاديمية والمهنية.
6. مواجهة الفقر عبر تمكين الفتيات اقتصاديًا
يرتبط الحمل المبكر ارتباطًا وثيقًا بالفقر. لذلك، لا بد من تبنّي استراتيجيات تمكّن الفتيات اقتصاديًا، مثل برامج الادخار الصغيرة، والتدريب المهني، والدعم لبدء مشاريع صغيرة. عندما تتمكن الفتاة من كسب دخل مستقل، تزداد قدرتها على تأجيل الزواج والحمل، وتصبح أكثر تحكّمًا بمسار حياتها.
خاتمة
تشكل الوقاية من الحمل المبكر مسؤولية جماعية تتطلب تنسيق الجهود على جميع المستويات: القانونية، والتعليمية، والصحية، والمجتمعية. عندما نُوفّر للفتيات بيئة آمنة، وتعليمًا عالي الجودة، وخدمات صحية محترمة، نمنحهنّ فرصة حقيقية لبناء مستقبل أفضل. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق و عرضنا لكِ أرقام مرعبة تكشف عنها منظمة الصحة العالمية في ما يتعلّق بموت الحوامل.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن الاستثمار في الفتيات لا يحمي صحتهنّ فقط، بل يُحدث تغييرًا عميقًا في المجتمعات بأكملها. الفتاة المتعلمة والمتمكنة تقود إلى أُسر أكثر صحة، واقتصادات أكثر قوة، ومجتمعات أكثر عدلًا وإنصافًا.