يُعدّ ضغط الدم في بداية الحمل مؤشرًا دقيقًا لحالكِ الصحية المستقبلية. حتى لو لم تُشخّصي بأي من اضطرابات ارتفاع الضغط أثناء الحمل. قد تظنين أن استقرار ضغطكِ خلال الحمل يُطمئنكِ إلى سلامة قلبكِ لاحقًا. إلا أن العلم الحديث يُظهر عكس ذلك تمامًا. بدأت الأبحاث تُظهر بوضوح أن أنماط ضغط الدم خلال الأشهر الأولى من الحمل تملك القدرة على التنبؤ بمخاطر إصابتكِ بارتفاع ضغط الدم بعد سنوات من الولادة.
ما كشفت عنه دراسة ضخمة مدعومة من المعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة (NIH) قلب المفاهيم التقليدية رأساً على عقب. فحتى النساء اللواتي لم يُصبن بمقدمات الارتعاج أو ارتفاع ضغط الحمل قد يواجهن خطر الإصابة بارتفاع الضغط بعد أكثر من عشر سنوات من الإنجاب. فقط بسبب النمط الذي اتخذه ضغط دمهن خلال الأسابيع العشرين الأولى من الحمل. تُبرز هذه النتائج الحاجة العاجلة لتغيير مفهوم المتابعة الطبية بعد الولادة، والبدء بالوقاية منذ الحمل.
ضغط الدم في بداية الحمل: مؤشر مبكر على مشاكل قلبية مستقبلية
أظهرت الدراسة التي شملت أكثر من 174,000 امرأة أن أنماط ضغط الدم خلال النصف الأول من الحمل تُشكل أداة قوية للتنبؤ باحتمالية الإصابة بارتفاع الضغط لاحقًا. حتى بين النساء غير المصابات سابقًا بأي أمراض قلبية أو كلوية أو كبدية.

قام الباحثون بتصنيف النساء إلى ست مجموعات وفقًا لنمط تطوّر ضغط الدم خلال الحمل. بدءًا من الأنماط المنخفضة جدًا وصولًا إلى الأنماط المرتفعة والثابتة. تبين أن النساء في الفئة الأخيرة، أي اللواتي بقي ضغط دمهن مرتفعًا بشكل مستمر، كُنّ أكثر عرضة للإصابة بارتفاع الضغط بعد الولادة بما يصل إلى 11 ضعفًا مقارنةً باللواتي حافظن على ضغط دم منخفض ومستقر.
لماذا يُعد هذا الاكتشاف مهماً لكِ؟
أنتِ ربما لا تعانين من ارتفاع الضغط خلال الحمل، وتشعرين بأنكِ في مأمن. لكن الحقيقة أن عدم الإصابة بارتفاع الضغط الحملي لا يعني بالضرورة أنكِ خارج دائرة الخطر. ما وجده العلماء هو أن طريقة تفاعل جسمكِ مع الحمل من حيث ضغط الدم، تكشف عن نقاط ضعف خفية في الدورة الدموية قد تظهر عوارضها بعد سنوات.
هذا يعني أن مراقبة ضغط دمكِ خلال الحمل يجب ألا تُهمَل. بل ينبغي أن تُسجَّل وتُحلَّل لاستخدامها كأداة مستقبلية لتحديد ما إذا كنتِ تحتاجين إلى فحوصات قلبية دورية بعد الولادة.
توصيات للنساء في سن الإنجاب: ماذا تفعلين الآن؟
- سجّلي قراءات ضغطكِ بدقة: اطلبي من طبيبتكِ مراقبة ضغط دمكِ منذ أول زيارة حمل. واحرصي على تدوين كل قراءة وملاحظة النمط العام.
- ناقشي نمط ضغطكِ مع طبيبتكِ: اسألي إن كان نمط ضغطكِ يندرج تحت الأنماط المرتفعة أو الثابتة، واطلبي تقييم خطر الإصابة بارتفاع الضغط بعد الولادة.
- واصلي المتابعة بعد الولادة: لا تهملي زيارات الطبيب بعد الإنجاب. قد يرتفع الضغط بصمت خلال السنوات التالية.
- تبنّي نمط حياة صحي: حتى لو كنتِ بصحة جيدة حاليًا، حاولي اعتماد حمية غذائية متوازنة، وتقليل الصوديوم، وممارسة الرياضة، والنوم الكافي لحماية قلبكِ.
- اطلبي فحص القلب المنتظم بعد الحمل: يُفضَّل إجراء تقييم دوري لوظائف القلب وضغط الدم خاصة خلال السنوات الخمس إلى العشر بعد الولادة.
ماذا تعني هذه النتائج بالنسبة للمجتمع الطبي؟
دعى الخبراء في معهد القلب والرئة والدم الأميركي (NHLBI) إلى تغيير استراتيجيات المراقبة والوقاية. فبدلًا من الاكتفاء بمتابعة النساء المصابات بارتفاع الضغط الحملي فقط، يجب توسيع نطاق المتابعة ليشمل النساء ذوات أنماط الضغط المرتفعة منذ بداية الحمل. هذا يُساهم في تقليل أعداد النساء اللواتي يصبن بارتفاع الضغط والأمراض القلبية من دون أن يعرفن أنهن كنّ ضمن فئة الخطر من البداية.
عزيزتي، صحتكِ القلبية تبدأ من رحم الحمل. لا تكتفي بالاطمئنان الظاهري خلال الحمل. بل اسألي عن كل تفصيل صغير يخص ضغط دمكِ، واعملي على فهمه. أنماط ضغط الدم في بداية الحمل تُشكل خريطة طريق لمستقبلكِ الصحي. كما تمكنكِ من اتخاذ قرارات مدروسة تقيكِ من مشاكل مزمنة قد تظهر بعد أكثر من عقد من الزمان.
افهمي جسدكِ، وتابعي إشاراته، وتواصلي مع طبيبتكِ بكل وضوح. من خلال هذه الخطوات، تحمين قلبكِ وتؤسسين لمستقبل صحي لأجلكِ ولأجل عائلتكِ. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن بقعة وردية صغيرة قد تكون أخطر مما تظنين في أشهر الحمل الأولى!