في السنوات الأخيرة، أصبحت وضعية الكنغر من أكثر الأساليب انتشارًا في مجال العناية بالأطفال، خاصةً لدى الأطفال الخُدّج الذين يولدون قبل الأوان. إذ أثبتت الدراسات فعاليتها في تحسين صحة الرضيع وتسريع تطوره البدني والعقلي. لا سيّما أنّ رعاية الطفل حديث الولادة تشكّل تحديًا كبيرًا لكل أم. إذ تسعى دائمًا إلى توفير الدفء والأمان لطفلها وتعزيز نموه بطريقة طبيعية وصحية.
في هذا المقال، سنشرح لكِ مفهوم حضن الكنغر بالتفصيل، ثم سنعرض الفوائد العلمية المذهلة لهذه التقنية. وأخيرًا سنوضح الطريقة الصحيحة لتطبيقها حتى تحصلي على أفضل النتائج لطفلكِ. وفي النهاية، سنبرز أهميّة اتّباع هذا الأسلوب في حياة كلّ أمّ ورضيعها.
ما هو حضن الكنغر؟
قبل أن نتحدث عن الفوائد، من المهم أن نفهم أولًا ماهية حضن أو وضعية الكنغر وكيف نشأ هذا الأسلوب. ببساطة، حضن الكنغر هو تقنية رعاية تعتمد على التلامس الجلدي المباشر بين الأم وطفلها. حيث يتم وضع الرضيع عاري الصدر (باستثناء الحفاض) على صدر والدته، ثم يتم لفه بغطاء دافئ لضمان الراحة والحرارة الكافية. الهدف الأساسي من هذه التقنية هو محاكاة البيئة الدافئة التي كان الطفل يعيش فيها داخل الرحم، ممّا يساعده على التأقلم مع العالم الخارجي بطريقةٍ أكثر طبيعيّة وأمانًا.
تم تطوير هذا الأسلوب لأول مرة في كولومبيا في السبعينيات بسبب نقص الحاضنات الطبية، ولكنه سرعان ما أصبح ممارسة معتمدة في جميع أنحاء العالم بعد أن أكّدت الدراسات العلمية فوائده العظيمة لصحة الطفل. اليوم، توصي به منظمة الصحّة العالميّة والمستشفيات الكبرى نظرًا لما يقدّمه من فوائد صحية ونفسيّة هائلة، أهميّها تقوية علاقة الأم والطفل.
ما هي فوائد حضن الكنغر للرضيع؟
بعد أن فهمنا مفهوم وضعية الكنغر ، من الضروري أن نتحدث عن الفوائد التي أثبتتها الدراسات العلمية. لا يقتصر تأثير هذه الوضعية على مجرد توفير الدفء، بل يمتدّ ليشمل العديد من الفوائد الصحية والنفسية التي تؤثر إيجابيًا على حياة الرضيع منذ لحظاته الأولى في العالم.
1. تحسين استقرار العلامات الحيوية
أولًا، يساعد التلامس الجلدي المباشر على تنظيم درجة حرارة جسم الرضيع، إذ تبين أنّ حرارة جسم الأمّ تتكيّف تلقائيًا وفقًا لحاجة طفلها. ممّا يقلّل من خطر انخفاض درجة الحرارة، خاصّةً لدى الخُدّج. بالإضافة إلى ذلك، أثبتت الأبحاث أن هذه الوضعية تحسّن انتظام ضربات القلب والتنفس، مما يمنح الطفل إحساسًا بالاستقرار والأمان.
2. تقليل خطر الوفاة لدى الأطفال الخُدّج
ثانيًا، أظهرت دراسة نشرتها مجلة The Lancet أن الأطفال الخُدّج الذين يتلقون حضن الكنغر لديهم معدلات بقاء أعلى مقارنة بأولئك الذين يُوضعون في الحاضنات دون تلامس جسدي مباشر مع الأم. والسبب في ذلك هو أن التلامس الجلدي يعزز عمل الجهاز العصبي وينشط وظائف الجسم الأساسية.
3. تعزيز الرضاعة الطبيعية
ثالثًا، عندما يكون الطفل قريبًا من صدر أمه، فإنه يتمكن بسهولة من العثور على حلمة الثدي، مما يسهل عليه الرضاعة الطبيعية. كما أن هذه الوضعية تحفّز إفراز هرمون الأوكسيتوسين لدى الأم، وهو الهرمون المسؤول عن تحفيز إنتاج الحليب. ممّا يضمن حصول الطفل على التغذية اللازمة لنموه.
4. تقليل نوبات البكاء وزيادة الشعور بالأمان
علاوةً على ذلك، تبين أن الأطفال الذين يحصلون على حضن الكنغر يكونون أكثر هدوءًا ويقل بكاؤهم بشكل ملحوظ. والسبب في ذلك هو أن التلامس الجسدي يعزز إفراز هرمونات السعادة، مثل الأوكسيتوسين والسيروتونين. ممّا يخفّف من شعور الطفل بالتوتر.
5. تقوية جهاز المناعة
ومن الفوائد المهمة أيضًا أن هذه الوضعية تساعد في تقوية جهاز المناعة لدى الرضيع، حيث تنتقل البكتيريا النافعة من جلد الأم إلى طفلها. ممّا يعزّز قدرته على مقاومة الأمراض والالتهابات.
6. تحسين التطور العصبي والمعرفي
أخيرًا، أظهرت الأبحاث أن الأطفال الذين يتلقون وضعية الكنغر يحققون معدلات نمو معرفي وعصبي أفضل مقارنةً بأقرانهم. تعود هذه الفائدة إلى التحفيز المستمرّ الذي يتلقاه دماغ الطفل أثناء التلامس الجسدي. ممّا يساعده على تطوير مهاراته الإدراكيّة بشكل أسرع.
كيفية فعل حضن الكنغر بطريقة صحيحة
الآن، بعد أن تعرفتِ على فوائد وضعية الكنغر ، من المهم أن تتعلمي الطريقة الصحيحة لتطبيقها حتى يحصل طفلكِ على الفوائد الكاملة. في ما يلي الخطوات التي يجب اتّباعها:
1. اختيار بيئة مريحة
أولًا، تأكّدي من أن الغرفة التي ستقضين فيها هذه اللحظات مع طفلكِ هادئة ودافئة، حتى يشعر بالأمان والاسترخاء.
2. ارتداء ملابس مناسبة
ثانيًا، ارتدي قميصًا مفتوحًا أو فضفاضًا يسمح بحدوث التلامس الجلدي بسهولة، وتأكدي من أن الطفل لا يرتدي سوى حفاضه لضمان أقصى قدر من الفائدة.
3. وضع الطفل في الوضعية الصحيحة
بعد ذلك، ضعي طفلكِ على صدركِ بحيث يكون رأسه قريبًا من عنقكِ، ووجهه مائلًا قليلًا إلى الجانب حتى يتمكّن من التنفس بحريّة.
4. الحفاظ على استقامة الرأس
تأكّدي من أن رأس الطفل في وضعية مستقيمة، لأنّ أي ميلان شديد قد يؤثر على تنفسه. يمكنكِ استخدام يدكِ لدعمه بلطف إذا لزم الأمر.
5. البقاء في هذه الوضعية لمدة كافية
يُفضَّل إبقاء الطفل في حضن الكنغر لمدة لا تقل عن ساعة يوميًا، مع إمكانية تمديدها حسب راحة الطفل ورغبتكِ.
6. المراقبة المستمرة
وأخيرًا، راقبي طفلكِ جيدًا أثناء وجوده في هذه الوضعية، وتأكّدي من أنه يتنفس بشكل طبيعي ويبدو مرتاحًا طوال الوقت.
في النهاية، من الواضح أن وضعية الكنغر ليست مجرد طريقة عادية لحمل الطفل، بل هي أسلوب رعاية فعال أثبتت الأبحاث العلمية أهميته في تعزيز صحة الرضع. هذا الأسلوب البسيط يمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا في حياة الطفل. خاصّةً إذا تم تطبيقه بالطريقة الصحيحة وباستمرار. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وأطلعناكِ على الطريقة الصحيحة لحمل الطفل الرضيع.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن حضن الكنغر ليس مجرد تقنية طبية تُستخدم في المستشفيات، بل هو أسلوب يجب أن تعتمده كل أم في رعاية طفلها، بغض النظر عن ظروف الولادة. فالتلامس الجسدي مع الأم هو أكثر ما يحتاجه الطفل في أيامه الأولى، ليس فقط لتحفيز نموه الجسدي، بل أيضًا لتعزيز إحساسه بالأمان والاستقرار العاطفي. شخصيًا، أنصح كل أم بتجربة هذه التقنية لأنها ببساطة تقدم فوائد لا تُحصى، من دون الحاجة إلى أيّ معدّات أو إجراءات مُعقَّدة، بل فقط الحب والحنان.