في كل دقيقتين، تفقد أسرة أمًّا. وفي كل لحظة، تُواجه امرأة خطرًا حقيقيًّا على حياتها فقط لأنها اختارت أن تُنجب. تُظهِر الإحصاءات الحديثة أن الوفاة أثناء الولادة ما زالت تهديدًا مُخيفًا في عالم يُفترض أنه تقدّم في مجالات الطب والرعاية الصحية.
دقّ تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية ناقوس الخطر من جديد. وذلك بعد أن أشار إلى وفاة نحو 260 ألف امرأة في عام 2023 بسبب مضاعفات الحمل والولادة. رغم التقدّم الملحوظ في تقليل معدل الوفيات منذ عام 2000، إلا أنّ وتيرة التقدّم تباطأت بشكل واضح في السنوات الأخيرة. ما يضع حياة المزيد من النساء على المحكّ.
الأسباب المباشرة: أين يكمن الخلل؟
تُواجه المرأة أثناء الولادة تحدّيات صحية عدّة، أكثرها شيوعًا النزيف الحادّ، وارتفاع ضغط الدم، والتسمم الحملي. بالإضافة إلى العدوى الحادة ومضاعفات التخدير أو الولادة القيصرية. تُعَدّ كثير من هذه الحالات قابلة للعلاج إن توفّرت الإمكانيات والرعاية في الوقت المناسب.

غالبًا ما تفتقر المستشفيات في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل إلى تجهيزات طبية كافية. كما تُعاني المرافق الصحية من نقص في الطواقم المدربة، ما يؤدّي إلى تأخير إنقاذ حياة المرأة. لكنّ المشكلة لا تتوقف هنا. فالتحدّي الأكبر يكمن في غياب خطط الطوارئ المناسبة وتردّي سبل النقل السريع للحالات الحرجة.
التفاوت العالمي: ليست جميع النساء في مستوى خطر متساوٍ
عزيزتي، أولًا لا تعيشي في وهم المساواة الصحية. ثانيًا، احتمال موتك أثناء الولادة لا يتساوى بين جميع النساء. بل يعتمد بشكل مباشر على المكان الذي تعيشين فيه، وأيضًا على مقدار ما تستفيدين منه من الرعاية الصحية المتوفرة. على سبيل المثال، في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، تواجه النساء احتمال الوفاة بنسبة تفوق النساء في أوروبا أو أميركا الشمالية بأكثر من 130 مرة.
علاوة على ذلك، يُعمّق التفاوت الطبقي هذه المأساة. في الواقع، الفقراء هنّ الأكثر تضررًا. على الأغلب، كثير من النساء يلدن في منازلهن، أو في مرافق صحية غير مجهّزة. لماذا؟ ببساطة لأنّ تكاليف المستشفيات باهظة، أو لأنّها بعيدة عن أماكن سكنهن. نتيجة لذلك، يحرم هذا الواقع المرّ المرأة من أبسط حقوقها: الأمان في لحظة الولادة.
التمويل العالمي: أزمة لا تقلّ خطورة
أحد أسباب هذا التراجع المؤلم في وتيرة التحسّن هو الانخفاض الكبير في تمويل الرعاية الصحية الموجّهة للأمهات. فبعد أن حققت بعض الدول إنجازات واضحة بين عامي 2000 و2015. بدأت هذه الإنجازات تتآكل بسبب تقليص الموارد المالية الدولية المخصصة لبرامج الأمومة الآمنة.
عندما تتراجع ميزانيات الصحة، تكون صحة الأم أول من يدفع الثمن. تُلغى البرامج الوقائية، تُخفض أجور القابلات والممرضات، وتختفي خدمات الدعم النفسي والاجتماعي. بهذا الشكل، تُترك المرأة في مهبّ الخطر، بلا حماية كافية.
حلول فعالة: الأمل ما زال موجودًا
لحسن الحظ، تمتلك الأنظمة الصحية حلولًا واقعية. تدريب القابلات والممرضات على اكتشاف المضاعفات في وقت مبكر يُنقذ الأرواح. توفير سيارات إسعاف مخصصة للحوامل في المناطق الريفية يُحدث فرقًا كبيرًا. كما أن برامج التوعية المجتمعية تساعد النساء على التعرف إلى عوارض الخطر والتوجه مبكرًا لطلب المساعدة.
المرأة بحاجة إلى دعم فعلي، لا وعود مؤقتة. تحتاجين إلى رعاية ما قبل الولادة، وإلى متابعة طبية دقيقة خلال الحمل، وإلى تدخل فوري عند حدوث أي طارئ أثناء الولادة. هذه الإجراءات البسيطة قادرة على تقليل الوفيات بنسبة تتجاوز 75٪، حسب تقارير موثوقة من منظمات دولية مثل WHO وUNICEF (World Health Organization, 2023).
دوركِ كمرأة: وعيكِ هو خط الدفاع الأول
عزيزتي، لا تتركي صحتك للصدفة. لا تؤجلي زيارة الطبيب ولا تهملي أي عرض غير مألوف خلال الحمل. كوني مُبادِرة. اسألي، تابعي، وتأكّدي من أنّ مركز الرعاية الذي تقصدينه يتوفّر فيه الحد الأدنى من التجهيزات.
شاركي زوجك وأسرتك في قراراتك الطبية. لا تسمحي للظروف أن تُقصيكِ عن حقّكِ في الولادة الآمنة. فالصحة حقّ، وليس رفاهية.
في النهاية، تبقى وفاة الأم أثناء الولادة جريمة صحية يمكن تفاديها. لا ينبغي أن تُدفع المرأة ثمنًا لحياتها فقط لأنها قررت أن تُنجب. تُبيّن بيانات منظمة الصحة العالمية أن الوقت ينفد، وأن الخطوات البطيئة لن تُنقذ الأرواح.
عزيزتي، طالبي بحقّك في نظام صحي يحترمكِ، يرافقكِ في كل مراحل الحمل، ويضمن لكِ ولادة آمنة. فلكِ الحقّ لا فقط في النجاة، بل في أن تعيشي بصحة، وسلام، وكرامة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وأخبرناكِ أنّ ضغط دمكِ في أول 20 أسبوعًا من الحمل يكشف مصيركِ الصحي بعد الولادة!