تُشكّل معرفة خبايا علم النفس النمو حجر الأساس لفهم تطوّر الإنسان في مختلف مراحل حياته، بدءًا من الطفولة الأولى وصولًا إلى الشيخوخة. لا يقتصر هذا العلم على دراسة التغيرات الجسدية فقط، بل يتعمّق في فهم التحوّلات المعرفيّة والعاطفيّة والاجتماعيّة التي ترافق الإنسان على مدار العمر.
في هذا المقال، سنأخذكِ في رحلة علمية غنية لفهم أهمّ مفاهيم علم نفس النمو، والتعرّف على مراحله، وأهدافه الرئيسية. مع تسليط الضوء على أهمية هذا العلم لكل امرأة تهتم بتربية أطفالها أو فهم ذاتها خلال مختلف مراحل حياتها. وذلك بالاستناد إلى أهمّ نظريات علم النفس.
ما هو مفهوم علم نفس النمو؟
يُعرَّف علم النفس النمو بأنه الفرع المختصّ بدراسة التغيرات النفسية والسلوكية التي تطرأ على الإنسان منذ ولادته وحتى شيخوخته. ويرتكز هذا العلم على تحليل كيفية نمو القدرات المعرفية والانفعالية والاجتماعية والجسدية خلال مراحل العمر المختلفة.

بحسب الدراسات التي نُشرت في American Psychological Association، فإن هذا التخصّص لا يقتصر على مراقبة التغيّرات الظاهرة. بل يسعى لفهم العوامل البيئية والوراثية التي تُؤثّر في هذا النمو. وهو ما يجعله علمًا شموليًا يعتمد على مناهج البحث الدقيقة والتجريبية.
وبالإضافة إلى ذلك، يهتمّ علم نفس النمو أيضًا بالكشف عن المشاكل التي قد تظهر في مرحلة معينة. فعلى سبيل المثال، يرصد اضطرابات وصدمات الطفولة، كما يركّز على صعوبات التكيّف في مرحلة المراهقة. لذلك، يهدف هذا العلم إلى وضع استراتيجيات تدخّل مبكر تُساعد على معالجة هذه التحديات بطريقة علمية ومدروسة منذ بدايتها. وبهذا الشكل، يتمكّن المحتصّون من حماية الفرد ومساعدته على تجاوز أي عقبات نفسية أو اجتماعية تؤثّر على نموّه الطبيعي.
ما هي مراحل النمو في علم النفس؟
ما هي المراحل التي يتناولها علم النفس النمو ؟ تمرّ عملية النمو النفسي بعدّة مراحل رئيسية، ولكل مرحلة منها خصائصها النفسية والسلوكية الفريدة. وقد حدّد الباحثون وعلماء النفس التنموي هذه المراحل بناءً على دراسات علمية معمّقة، ومنها:

- مرحلة الطفولة المبكرة (من الولادة حتى 6 سنوات): تُعدّ هذه المرحلة حجر الأساس في تشكيل الشخصية. حيث يبدأ الطفل باكتساب المهارات اللغوية والمعرفية والاجتماعية الأساسية.
- مرحلة الطفولة المتوسطة والمتأخرة (من 7 إلى 12 سنة): يتطوّر الإدراك الاجتماعي والانفعالي، وتبدأ مفاهيم الأخلاق والانضباط الذاتي بالظهور.
- مرحلة المراهقة (من 13 إلى 18 سنة): تتّسم هذه الفترة بصراعات الهوية، وبحث الفتاة عن ذاتها ودورها في المجتمع. كما تظهر التغيرات الجسدية والنفسية بشكل ملحوظ.
- مرحلة الرشد (من 19 إلى 40 سنة): تبدأ المرأة في هذه المرحلة ببناء علاقات اجتماعية وعاطفية مستقرة، مع التركيز على تحقيق الإنجازات المهنية والشخصية.
- مرحلة منتصف العمر والشيخوخة: هنا تبدأ المراجعات الذاتية، وتتغيّر أولويات الحياة، ويُصبح للخبرة دور أساسي في التعامل مع المواقف الحياتية.
وتؤكّد الدراسات الحديثة الصادرة عن American Psychological Association على أهمية كل مرحلة في تشكيل الصحة النفسية للفرد لاحقًا.
ما هي الأهداف الأربعة لعلم النفس التنموي؟
يمتلك علم النفس النمو أربعة أهداف رئيسية تُشكّل جوهر هذا التخصّص. وكل هدف منها يُسهم في تعزيز فهمنا للتغيرات التي نمرّ بها خلال الحياة:

- الوصف: يتمثّل الهدف الأول في مراقبة وتوثيق مراحل النمو المختلفة بدقّة. ما يسمح للباحثين بفهم السمات المميّزة لكل مرحلة عمرية.
- التفسير: يسعى هذا الهدف إلى تحليل الأسباب الكامنة وراء التغيرات السلوكية والنفسية، سواء كانت عوامل وراثية أو بيئية أو تفاعلية.
- التنبؤ: من خلال فهم مسارات النمو الطبيعي، يُصبح بالإمكان التنبؤ بالصعوبات أو المشاكل التي قد تواجه المرأة أو الطفل في مرحلة معينة.
- التدخل والوقاية: الهدف الأسمى لهذا العلم هو تصميم برامج تربوية وعلاجية تُساعد في تحسين جودة الحياة النفسية وتوجيه الأمهات نحو أساليب تنشئة سليمة وصحية.
هذه الأهداف تُشكّل، بحسب Handbook of Developmental Psychology، العمود الفقري لأي دراسة أو تطبيق عملي في مجال علم نفس النمو.
الخلاصة
في نهاية هذه الرحلة العلمية، ندرك أولًا أن علم النفس النمو ليس مجرد دراسة أكاديمية نظرية. بل هو قبل كل شيء علم حياتي يمنحنا الأدوات لفهم ذواتنا بشكلٍ أعمق. علاوةً على ذلك، يساعدنا هذا العلم على فهم أطفالنا وكل من حولنا بوعي أكبر وقدرة أعلى على التعامل مع مختلف المواقف. لذلك، يُمكّن إدراك المرأة لمراحل النمو وأهداف هذا العلم من التعامل بحكمة مع التحديات النفسية والاجتماعية التي تواجهها باستمرار خلال مسيرتها كأم. كما يدعمها هذا الفهم عندما تخوض تجاربها كامرأة وزوجة، بل وأيضًا كامرأة عاملة في المجتمع. مما يعزز قدرتها على اتخاذ القرارات بثقة ووعي في كل مرحلة من مراحل حياتها. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن اهمية علم النفس.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن علم النفس النمو يُشكّل بلا شك قيمة معرفية لا غنى عنها لكل امرأة تسعى أولًا إلى بناء علاقة صحية مع نفسها، ثم مع أطفالها. لذلك، فإن فهمنا لتطوّرنا النفسي وللتحوّلات التي يعيشها أبناؤنا في كل مرحلة عُمرية، يجعلنا بالتالي أكثر قدرة على الاحتواء. كما يجعلنا أيضًا أكثر وعيًا بكيفية تقديم الدعم النفسي السليم في الوقت المناسب. ولهذا السبب، أنصح كل امرأة بأن تتعمّق في هذا العلم تحديدًا، لأنه بالفعل يمنحنا مفاتيح حقيقية لفهم دواخلنا وتجاوز الأزمات النفسية التي قد تواجهنا أو حتى تواجه أبناءنا لاحقًا. علاوةً على ذلك، لعلّ أجمل ما في هذا العلم هو أنه يُذكّرنا دائمًا بأن النمو النفسي لا يتوقّف عند سنٍ أو مرحلة واحدة. بل على العكس، هو رحلة مستمرّة تستحق أن نعيشها بكل وعيٍ وإدراكٍ لتفاصيل مراحلنا العمريّة والجوانب النفسيّة التي تحملها في طيّاتها من دون استثناء.