تُعدّ الارتكاريا النفسية من الحالات الجلدية التي يُهملها كثيرون رغم ارتباطها العميق بالحال النفسية. لا يُمكن اعتبار الحكة المفاجئة، أو الطفح المتكرر، مجرد تفاعل تحسسي عابر. بل قد تكون رسائل يطلقها الجسد ليُخبركِ أن الضغط النفسي قد تجاوز حدوده. هذا النوع من الارتكاريا لا ينتج عن الطعام أو العوامل البيئية. بل ينشأ عن التوتر، والصدمات العاطفية، ونوبات القلق المتكررة.
في هذا المقال، ستتعرّفين على حقيقة ارتباط النفس بالجسد من خلال حالة الارتكاريا النفسية. سنبدأ بتفسير علاقتها بالعوامل النفسية، ثم ننتقل إلى طرق علاجها، ونتناول أعراض الحكة النفسية.
هل الارتكاريا سبب نفسي؟
ترتبط الارتكاريا النفسية بشكل مباشر بالجهاز العصبي الذاتي، إذ تنشأ كردّ فعل غير طبيعي للضغوط النفسية. في حالات كثيرة، لا يظهر سبب عضوي واضح، ويُعاني الشخص من نوبات متكررة من الحكة والبقع الجلدية الحمراء التي تختفي وتعود بحسب الحال العاطفية والنفسية. وقد أثبتت الدراسات أن الشعور بالتوتر أو القلق المزمن يُحفّز الجهاز المناعي بطريقة تخرجه عن مساره الطبيعي. ما يؤدي إلى إفراز الهيستامين في الجلد، وهو المسؤول عن ظهور الارتكاريا.

أشارت دراسة منشورة في مجلة Journal of the European Academy of Dermatology and Venereology (2016) إلى أن حوالي 30% من حالات الارتكاريا المزمنة ترتبط بعوامل نفسية مثل الاكتئاب الحاد، اضطرابات القلق، والصدمات العاطفية. وخلصت الدراسة إلى أن فهم الخلفية النفسية ضروري لتحديد العلاج المناسب.
كما وجدت دراسة أُجريت في Dermatologic Therapy (2020) أن النساء أكثر عرضة للارتكاريا النفسية بسبب التغيّرات الهرمونية والتأثيرات العاطفية الشديدة، ما يجعل التشخيص الدقيق والتواصل الجيد مع المريضة من الركائز الأساسية للعلاج.
ما هو علاج الارتكاريا العصبية؟
لا يكون علاج الارتكاريا النفسية فعّالًا إلا إذا تمّ دمج المسارين: الجسدي والنفسي. فعلى المستوى الطبي، يُستخدم مضادات الهيستامين من الجيل الثاني مثل Loratadine أو Fexofenadine لتخفيف العوارض الجلدية. أما على المستوى النفسي، فالمفتاح الحقيقي هو السيطرة على المحفّزات الداخلية.

في حالات كثيرة، يُنصح بالخضوع لعلاج معرفي سلوكي (CBT)، والذي يُركّز على تعلّم تقنيات إدارة القلق، وتحليل طريقة التفكير التي تؤدي إلى التوتر. هذا النوع من العلاج يُعتبر فعّالًا بحسب دراسة نُشرت في Psychosomatic Medicine (2018)، والتي أكّدت أن المرضى الذين خضعوا لجلسات CBT أظهروا تحسنًا كبيرًا في العوارص الجلدية بعد 8 أسابيع فقط.
لا بدّ أيضًا من التركيز على أسلوب الحياة: ممارسة التأمل أو اليوغا، وتحسين جودة النوم، وتخفيف الكافيين والمنبهات. كلّها خطوات تُساعد في كسر دائرة التوتر والحكة.
من الجدير بالذكر أن بعض الحالات تحتاج إلى تدخل دوائي نفسي. خصوصًا إذا ترافق الاضطراب الجلدي مع اكتئاب أو قلق مزمن. في هذه الحال، قد يصف الطبيب أدوية مثل SSRIs (مثبّطات امتصاص السيروتونين الانتقائية) لتحسين المزاج وتقليل الاستجابة التحسسية الناتجة عن التوتر.
ما هي أعراض الحكة النفسية؟
تتميّز الحكة النفسية، أو كما تُسمى أحيانًا “الارتكاريا العصبية”، بمجموعة من العوارض التي تختلف عن أنواع الحساسية الكلاسيكية. تبدأ العوارض عادةً في فترات التوتر، وتشمل:

- بقع حمراء متفرقة أو منتشرة على الجسم
- حكة شديدة تزداد ليلًا أو عند التفكير في المشكلة
- ظهور الطفح ثم اختفاؤه من دون سبب واضح
- عدم تجاوب العوارض مع العلاجات التقليدية عند غياب العامل النفسي
- ظهور العوارض مباشرةً بعد صدمة أو ضغط نفسي
وتؤكّد الأبحاث الحديثة أن هذه العلامات ليست “متخيلة” كما كان يُعتقد سابقًا. بل نتيجة تفاعل حقيقي بين الدماغ والجلد. الدماغ يُرسل إشارات تؤثر على الجهاز العصبي الذاتي، والذي بدوره يُحفّز الخلايا المناعية لإطلاق مواد التهابية تؤدي إلى الطفح.
وفي دراسة نُشرت في Frontiers in Psychiatry (2021)، تم توثيق العلاقة بين ارتفاع مستوى الكورتيزول (هرمون التوتر) وازدياد حدّة العوارض الجلدية. كلّما زاد التوتّر، كلّما زادت الحكة، والعكس صحيح.
الخلاصة
الارتكاريا النفسية ليست مجرّد مرض جلدي، بل هي نتيجة صراع داخلي ينعكس على سطح الجلد. حين يضيق صدركِ، يبدأ جلدكِ بالصراخ. وحين تعجز الكلمات عن التعبير، تتحدث الحكة نيابةً عنكِ. لذا، لا تهملي هذا النوع من الارتكاريا، بل ابحثي عن العلاج الشامل الذي يجمع بين العناية الجسدية والدعم النفسي. الطريق إلى الشفاء يبدأ بفهم العلاقة العميقة بين النفس والجسد، وبتقبّل أن كلّ مشاعرنا تجد منفذًا لها، حتى ولو كان على هيئة طفح جلدي. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن كيفية التخلص من حكة الجسم.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن فهم المرأة لذاتها النفسية هو أقوى وسيلة لحماية صحتها الجسدية والنفسيّة على حدٍّ سواء. الارتكاريا النفسية قد تكون صوتًا داخليًا يطلب الراحة، الاسترخاء، أو حتى البكاء. لا تخجلي من التعبير عن مشاعركِ، ولا تترددي في طلب المساعدة النفسية من مختصّ، فهي ليست ضعفًا بل وعي ونضج. وكلّما استمعتِ إلى نفسكِ بعمق وتركيز، كلّما خفّت عنكِ العوارض التي تزعجك، وهدأ جسدكِ أخيرًا من التأثيرات السلبيّة المُزعجة.