ما هو مفهوم الأسرة في الإسلام؟ وكيف تكون الأسرة الإسلامية؟ الشيخ وسيم المزوق يجيب على هذه الأسئلة فيما يلي:
فقد قال تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا)، وقال تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) ، وقال تعالى: (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة) قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "يذكر تعالى نعمه على عبيده، بأن جعل لهم من أنفسهم أزواجا من جنسهم وشكلهم [وزيهم] ولو جعل الأزواج من نوع آخر لما حصل ائتلاف ومودة ورحمة ، ولكن من رحمته خلق من بني آدم ذكورا وإناثا، وجعل الإناث أزواجا للذكور ثم ذكر تعالى أنه جعل من الأزواج البنين والحفدة، وهم أولاد البنين".
للمزيد:الشيخ وسيم يشرح عن حقوق الوالدين في الاسلام
كل ذلك من نعم الله تعالى على عباده حيث تتكاثر الأسرة وتترابط فيما بينها، فهذا ما يميز الأسرة المسلمة عن غيرها وهذا هو مفهومها الصحيح لأننا نرى في الغرب التفكك الأسري وقطيعة الرحم وعقوق الوالدين مما يؤدي إلى التنافر والتباغض والتحاقد والتقاطع داخل الأسرة الواحدة، فكيف بالمجتمع ككل.أما الأسرة المسلمة فتبرز أهميتها أنها تدعو إلى اهتمام كل فرد بالآخر وتدعوه للقيام بمسؤوليته فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ".رواه البخاري، وأمر الشرع الاسلامي أولياء الأمور بإحسان التربية للأبناء حيث يثيبهم على ذلك أحسن الثواب والجزاء لإقامة أسرة متحاببة فيما بينها، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يَكُونُ لِأَحَدِكُمْ ثَلَاثُ بَنَاتٍ أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ فَيُحْسِنُ إِلَيْهِنَّ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ".رواه الترمذي، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ أَوْ ابْنَتَانِ أَوْ أُخْتَانِ فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ وَاتَّقَى اللَّهَ فِيهِنَّ فَلَهُ الْجَنَّةُ". رواه الترمذي.
فالأسرة المسلمة قائمة على بر الوالدين وبر الآباء بالأبناء بحسن تأديبهن وتعليمهنّ
قال صلى الله عليه وسلم: "وبروا آباءكم، تبركم أبناؤكم". رواه الحاكم في المستدرك،
فبينت الشريعة حقوق الآباء على الأبناء، وحقوق الأبناء على الآباء، من غير إفراط ولا تفريط، ومنعت العقوق سواء من الآباء أو من الأبناء، كل ذلك لتأسيس أسرة فاعلة ومتفاعلة لإقامة مجتمع قائم على العدل والمحبة والأمن وهذا أيضاً من أهمية الأسرة المسلمة، قال أبو الليث السمرقندي في تنبيه الغافلين: وروي عن عمر رضي الله تعالى عنه أن رجلاً جاء إليه بابنه فقال: إن ابني هذا يعقني، فقال عمر رضي الله تعالى عنه للابن: أما تخاف الله في عقوق والدك، فقال الابن: يا أمير المؤمنين، أما للابن على والده حق؟ قال: نعم، حقه عليه أن يستنجب أمه ـ يعني لا يتزوج امرأة دنيئة لكيلا يكون للابن تعيير بها ـ وحسن اسمه ويعلمه الكتاب، فقال الابن: فوالله ما استنجب أمي، ولا حسن اسمي، سماني جُعْلا، ولا علمني من كتاب الله آية واحدة، فالتفت عمر رضي الله تعالى عنه إلى الأب وقال: تقول ابني يعقني! فقد عققته قبل أن يعقك اهـ.
وقال الدكتور محمد الزحيلي: قال بعض أهل العلم: (إن الله سبحانه وتعالى يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل أن يسأل الولد عن والده، فوصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائه، قال تعالى: { وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ} [الإسراء: 31] وقال تعالى: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ} [النساء: 11] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اعدلوا بين أولادكم في النحل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف" اهـ.
ومن وصاية الشريعة بالأبناء وبيان مجمل حقوقهم ومسئولية الآباء عنهم، قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم: 6] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيع؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته. رواه النسائي في السنن الكبرى وابن حبان.
فالأسرة المسلمة تكمن أهميتها في نشر الرحمة والشفقة والنصح والرعاية، فقد قال سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه: قبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسًا، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبَّلت منهم أحدًا !! فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: من لا يَرحم لا يُرحم. متفق عليه.
فمن تربى على الرحمة ونشأ عليها أصبح مجبولاً على هذا الخلق الكريم الذي اكتسبه بسبب التربية الاسلامية ضمن المفهوم السليم للاسرة المسلمة.
للمزيد:الشيخ وسيم يشرح عن التربية الإسلامية الصحيحة لمنع الغيرة بين الأخوة