تُعَدّ المعاناة من الام اسفل الظهر للحامل من أكثر العوارض شيوعًا خلال فترة الحمل، وتُصيب أكثر من نصف النساء الحوامل في مراحل مختلفة من الحمل، خاصّةً في الثلث الثاني والثالث. تظهر هذه الآلام بأشكالٍ متعدّدة، وقد تتراوح من الشعور بألم خفيف ومزعج إلى ألمٍ حاد يؤثّر على قدرة المرأة على الحركة أو النوم. تعود الأسباب في الغالب إلى التغيرات الهرمونية، وزيادة الوزن، وتغير مركز الثقل في الجسم. إضافةً إلى ارتخاء الأربطة والعضلات الداعمة للحوض.
في هذا المقال، نسلّط الضوء على أبرز أسباب الشعور بهذه الآلام، ومتى تُعتبَر طبيعيّة، ومتى تشكّل مؤشرًا للمعاناة من مشكلة صحية تستدعي تدخّل الطبيب فورًا. سنفصّل كذلك الطرق الآمنة للتخفيف من هذه الآلام خلال الحمل، استنادًا إلى دراسات علمية وأدلة موثوقة.
الأسباب الشائعة للمعاناة من الام اسفل الظهر للحامل
غالبًا ما تكون هذه الآلام نتيجة طبيعية للتغيرات الجسدية والهرمونية التي تمر بها الحامل.
أوّلًا، مع تقدّم الحمل، يفرز الجسم هرمون الريلاكسين الذي يساعد على ارتخاء الأربطة والمفاصل تحضيرًا للولادة. ولكن قد يؤثّر هذا الارتخاء على ثبات العمود الفقري. ممّا يؤدي إلى الشعور بالألم في أسفل الظهر.
ثانيًا، يزداد وزن الجنين تدريجيًا. ما يفرض ضغطًا إضافيًا على العمود الفقري وأسفل الظهر.
ثالثًا، يتغير مركز الثقل في الجسم، ما يدفع الحامل إلى تعديل وضعية الوقوف والمشي. الأمر الذي يزيد من الضغط على أسفل الظهر.
بحسب دراسة نُشرت في Journal of Physical Therapy Science عام 2020، فإن 68% من النساء الحوامل يعانين من آلام أسفل الظهر. خاصّةً في الشهر السادس وما بعده، نتيجةً لهذه العوامل مجتمعة.
متى تُعتبر الام اسفل الظهر للحامل طبيعية؟
في معظم الحالات، تُعد هذه الآلام غير مقلقة. فإذا كانت خفيفة إلى متوسطة، وتزداد عند الوقوف لفترة طويلة أو عند القيام بمجهود بدني، فإنها تُعَدّ من التغيرات الطبيعية خلال الحمل.
غالبًا ما تبدأ هذه الآلام في الظهور بين الأسبوع العشرين والثلاثين، وقد تختفي أو تخفّ بعد الحصول على الراحة أو باستخدام وسائل داعمة مثل الحزام المُخصَّص للحوض.
كما تُلاحظ بعض النساء تحسّنًا بعد أداء تمارين التمدد، أو عند النوم على أحد الجانبين مع وضع وسادة بين الركبتين.
من المهمّ في هذه الحال أن تلتزم الحامل بنمط حياة معتدل. مع تجنّب حمل الأوزان الثقيلة أو الوقوف لفترات طويلة.
متى تصبح الام اسفل الظهر للحامل خطيرة؟
أحيانًا، تكون هذه الآلام إشارة إلى المعاناة من حال طبية طارئة، ويجب عدم تجاهلها.
فإذا رافق الشعور بالألم تقلصات رحمية متكررة، أو نزول دم أو سوائل من المهبل، فقد يكون الأمر إنذارًا باحتماليّة ولادة مبكرة.
أيضًا، إذا كان الشعور بالألم مستمرًا وشديدًا، ولا يزول مع الحصول على الراحة، أو ينتشر إلى أحد الساقين مصحوبًا بتنميل أو ضعف في الحركة. فقد يشير إلى انزلاق غضروفي أو ضغط على العصب الوركي (sciatica).
وفي حالات نادرة، قد يرتبط الألم بعدوى في المسالك البولية أو في الكلى. خصوصًا إذا ترافق مع ارتفاع في الحرارة أو الشعور بألم أثناء التبول.
في جميع هذه الحالات، يجب استشارة الطبيب فورًا لتشخيص السبب والبدء في العلاج المناسب. وذلك حفاظًا على سلامة الأمّ والجنين.
كيف تتعامل الحامل مع الام اسفل الظهر للحامل بطريقة آمنة؟
توجد عدة خطوات فعّالة وآمنة يمكن أن تخفّف من حدّة المعاناة من هذه الآلام من دون التأثير على صحّة الحامل أو الجنين:
- المشي المنتظم: يساعد المشي اليومي لمدة 20 إلى 30 دقيقة على تقوية عضلات الظهر وتحسين الدورة الدموية.
- التمارين الخاصة بالحامل: مثل تمارين التمدد الخفيفة أو تمارين تقوية عضلات الحوض، تساعد على تحسين التوازن والدعم.
- النوم بوضعية جانبية: خاصة النوم على الجانب الأيسر مع ثني الركبتين واستخدام وسادة داعمة.
- تطبيق الكمادات الدافئة: على أسفل الظهر لفترات قصيرة. مما يخفّف من توتر العضلات ويخفف الألم.
- استخدام وسادة دعم للظهر: أثناء الجلوس، خاصّةً في العمل أو خلال القيادة. ما يساعد على تقليل الضغط على الفقرات.
من جهة أخرى، يجب الامتناع عن تناول أي مسكن من دون استشارة الطبيب، خاصّةً في الثلث الأوّل من الحمل.
وتشير توصيات الكلية الأمريكية لأطباء النساء والتوليد إلى ضرورة المتابعة مع مختصّ في العلاج الفيزيائي إذا كانت الآلام مستمرّة أو تؤثّر على الحياة اليوميّة.
نصائح وقائية لتجنّب تفاقم الام اسفل الظهر للحامل
للوقاية من تفاقم هذه الآلام، يمكن اتباع بعض السلوكيات البسيطة التي تُحدث فرقًا كبيرًا:
- الوقوف والجلوس بوضعيات سليمة، مع الحفاظ على الظهر مستقيمًا.
- انتعال أحذية مريحة وتجنّب الكعب العالي تمامًا.
- تجنّب حمل الأشياء الثقيلة، أو الانحناء بطريقة مفاجئة.
- ممارسة تمارين اليوغا المُخصَّصة للحامل بانتظام.
- المحافظة على وزن صحي خلال الحمل، من خلال التغذية المتوازنة.
كل هذه الخطوات تُقلّل من الضغط على الفقرات القطنية، وتُحسّن جودة حياة الحامل وتقلّل من الحاجة لاستخدام الأدوية أو اللجوء إلى العلاج الطبي.
الخلاصة
في الختام، تُعَدّ المعاناة من الام اسفل الظهر للحامل ظاهرة شائعة وطبيعية في الغالب. لكنّها قد تتحوّل إلى حال مُقلِقة إذا ترافقت مع عوارض غير اعتيادية.
الفهم الجيد لأسبابها، والتمييز بين الطبيعي والخطير منها، يمكّن الحامل من اتخاذ القرار السليم في الوقت المناسب.
كما أن الالتزام بالإرشادات الوقائية، وممارسة الرياضة المناسبة، والمتابعة الطبية الدورية، تؤدّي دورًا أساسيًا في الحدّ من هذه الآلام وتحسين التجربة الحملية بشكل عام. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن تفاصيل حركة الجنين في الشهر الخامس من الحمل.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن الوعي هو السلاح الأول لكل امرأة حامل في مواجهة أي عرض جسدي جديد. فالفارق بين الألم العابر والعرض الخطير يكمن أحيانًا في تفاصيل صغيرة، لا تُدركها إلا المرأة الواعية بجسمها والمتابعة لصحتها. أنصح كل حامل بأن لا تتردّد في طلب المشورة الطبية عند أي شعور غير طبيعي، وألا تهمل الراحة النفسية والجسدية معًا، فهما مفتاح سلامتها وسلامة جنينها.
