تُعَدّ كثرة تبول الطفل من أكثر المشاكل التي تُثير قلق الأمهات، خاصّةً عندما تظهر فجأة ومن دون تفسير واضح. تلاحظين أن صغيركِ يطلب الذهاب إلى الحمام بشكلٍ متكرّر، أو قد لا يستطيع السيطرة على نفسه خلال النهار رغم أنه تجاوز مرحلة التدريب على استخدام المرحاض. قد تشعرين بالارتباك أو الخوف، وتبدأين في البحث عن الأسباب التي قد تكون جسدية أو نفسية. لا سيّما عندما يسوء الوضع ويتحوّل إلى تبوّل الطفل خلال النوم أيضًا.
في هذا المقال، سنكشف عن السبب الذي غالبًا لا يخطر في بالكِ عندما تلاحظين كثرة تبول الطفل، وسنشرح كل التفاصيل العلمية المرتبطة بهذه الحال. بالإضافة إلى العوارض التي يجب التنبّه لها، ومتى يجب زيارة الطبيب. وأخيرًا كيف يمكن التعامل مع هذا التحدي بطريقة عملية وعاطفية في آنٍ واحد.
هل كثرة تبول الطفل أمر طبيعي؟
في البداية، من الضروري أن تعرفي أن عدد مرات التبول يختلف من طفل لآخر. غالبًا ما يتراوح عدد مرات تبول الطفل بين 4 إلى 7 مرات في اليوم، وقد تزداد هذه النسبة إذا كان يشرب الكثير من الماء أو يتناول أطعمة غنية بالسوائل مثل الفواكه. لكن إذا لاحظتِ أن التبول يتجاوز 10 مرات يوميًا، أو يحدث في فترات متقاربة جدًا، فهذا يستدعي الانتباه.

عند الأطفال، يُعتبَر الجهاز البولي غير ناضج بشكلٍ كامل قبل سنّ الخامسة، لذلك من الممكن أن تحدث بعض التغيّرات المُؤقَّتة. مع ذلك، إذا استمرت الحال لأكثر من أسبوعين، أو ترافقت مع عوارض أخرى مثل الشعور بالعطش الشديد أو التعب، فيجب التفكير في أسباب أخرى أكثر دقة.
أسباب شائعة ولكن ليست مفاجئة
قبل التحدّث عن السبب “الذي لن يخطر في بالكِ”، من المهم أن نذكر أولًا بعض الأسباب الشائعة المعروفة لكثرة تبول الطفل:
- السكري من النوع الأول: يُعد من أوائل الأسباب التي يجب استبعادها. يظهر عادةً مع عوارض أخرى مثل الشعور بالعطش المستمر، وفقدان الوزن، والشعور بالتعب.
- التهاب المسالك البولية: قد يكون مصحوبًا بشعور بحرقة أو ألم أثناء التبول، ورائحة بول قوية.
- التهاب المثانة أو فرط نشاطها: يؤدّي إلى الشعور المفاجئ بالحاجة للتبول.
- الطقس البارد: حيث يزداد التبول كردّ فعل الجسم لتقليل كمية السوائل المحفوظة داخليًا.
- القلق أو التوتر النفسي: نعم، قد تؤثّر الحال النفسيّة على الجهاز البولي بشكل واضح.
لكن، ماذا لو لم ينطبق أيّ من هذه الأسباب على حال طفلكِ؟
المعاناة من الإمساك المزمن
نعم، الإمساك المزمن هو أحد الأسباب التي لا تخطر عادةً في بالكِ عند التفكير في كثرة تبول الطفل، لكنه في الحقيقة سبب طبي موثق ومدعوم بدراسات علمية. عندما تمتلئ الأمعاء الغليظة بالبراز الصلب لفترات طويلة، فإنها تضغط على المثانة. ممّا يؤدّي إلى التبول المتكرّر وحتى إلى التبول اللاإرادي.

أكّدت الدراسات الحديثة، ومنها دراسة منشورة في مجلة Pediatrics عام 2013، أن الأطفال المصابين بالإمساك المزمن هم أكثر عرضة بثلاثة أضعاف للمعاناة من مشكلة كثرة التبول مقارنةً بأقرانهم الأصحاّء. وفي حالات كثيرة، تتحسّن حال الطفل البولية بمجرد علاج الإمساك وتليين البراز بطرق طبيعية أو دوائية.
تشمل علامات الإمساك: صعوبة في الإخراج، وبراز صلب، وآلام في البطن، أو حركة أمعاء أقل من 3 مرات في الأسبوع. وقد لا تُلاحظين دائمًا هذه العوارض لأن بعض الأطفال لا يشتكون حتى في حال وجود مشكلة. أمّا في بعض الحالات المتطوّرة يبدأ بكاء الطفل عند خروج البراز.
كيف تتصرفين إذا لاحظتِ كثرة تبول الطفل؟
أول خطوة هي مراقبة النمط: هل التبول متكرر على مدار اليوم؟ أم يحدث ليلًا فقط؟ وهل يرافقه شور بالعطش أو فقدان شهية؟ بعد ذلك، اتبعي الخطوات التالية:
- دوّني عدد مرات التبول: هذه المعلومة تساعد الطبيب كثيرًا.
- راقبي نوع الطعام: هل يتناول طفلكِ كميات كبيرة من العصائر أو المأكولات المالحة؟
- تحققي من وجود علامات الإمساك: كما ذكرنا، قد يكون هو السبب الأساسي.
- استبعدي الإصابة بالسكري: إذا لاحظتِ عطشًا مفرطًا أو فقدان وزن مفاجئ، من الضروري إجراء تحليل دم.
- تحدثي مع الطفل: اسأليه عن إحساسه، هل يشعر بألم؟ وهل يخاف من شيء معين؟ فبعض الأطفال يتبولون هربًا من مواقف غير مريحة نفسيًا.
- استشيري الطبيب: إذا استمرت مواجهة الحال أكثر من أسبوعين، يجب إجراء فحوصات بولية وربما فحص للبطن بالموجات فوق الصوتية.
خطوات بسيطة لتحسين الوضع
من المهم التعامل مع كثرة تبول الطفل برفق وتفهّم. لا توبّخيه أو تسخري من حاله. بدلًا من ذلك، يمكنك اتباع هذه النصائح:

- شجّعيه على الذهاب للحمّام بانتظام: كل ساعتين تقريبًا.
- قدّمي له الأطعمة الغنية بالألياف: لتجنب الإمساك مثل الخضروات، والحبوب الكاملة، والفواكه.
- خفّفي من الكافيين والسكر: الموجود في بعض المشروبات والحلويات.
- اجعلي شرب الماء عادةً يومية: لكن بمقدار مناسب.
- اعتمدي روتين نوم منتظم: لتقليل احتمالية التبول الليلي.
الخلاصة
أخيرًا، لا تُعَدّ كثرة تبول الطفل دائمًا مؤشرًا على المعاناة من مرض خطير، لكنها تستحق المتابعة الدقيقة والانتباه. أحيانًا يكون السبب نفسيًا، وأحيانًا عضويًا، وفي كثير من الحالات يكون مرتبطًا بمشكلة لا نتوقعها، مثل الإمساك. فهم السبب هو أول خطوة نحو العلاج، والتعامل مع الطفل بحنان هو الأساس في كل الحالات. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وقدّمنا لكِ دليلًا عن التهاب الأذن عند الأطفال.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن الوعي بالتفاصيل الصغيرة في سلوك الطفل قد يُنقذ الأسرة من القلق الزائد أو التشخيص الخاطئ. لا ينبغي التسرّع في إعطاء تفسيرات معقّدة لحال بسيطة، ولا يجب أيضًا تجاهل العوارض المستمرّة. أنصح كل أم بأن تستمع لحدسها، وأن تطلب المساعدة الطبية متى شعرت أن الأمر يتجاوز الطبيعي. وفي الوقت نفسه، لا تنسي أهمية الدعم العاطفي، فهو علاج لا يُقاس بنتائج التحاليل، بل بأثره الدائم على قلب الطفل.