يُعَدّ تشتت الانتباه عند الأطفال من أكثر التحديات السلوكية شيوعًا في السنوات الأولى من النمو، ويظهر في صور متعددة مثل كثرة الحركة، وعدم إتمام المهام، أو الانشغال المستمر بالتفاصيل الجانبية. كثيرًا ما تلاحظ الأمهات هذه التصرفات، ولكن لا يدركن متى يجب أن يشعرن بالقلق ومتى يكون الوضع طبيعيًا ويتناسب مع المرحلة العمرية.
في هذا المقال، سنكشف لكِ متى يتحوّل تشتت الانتباه عند الأطفال إلى مؤشر خطر يتطلب تدخّلًا مهنيًا. سنتناول أيضًا الأسباب، والعلامات التي تستدعي الشعور بالقلق، والطرق الوقائية التي تساعدك على حماية طفلك وتعزيز قدراته على التركيز والانتباه.
ما هو تشتت الانتباه عند الأطفال؟
يُعتبَر تشتت الانتباه عند الأطفال حال يجد فيها الطفل صعوبة في الحفاظ على تركيزه لفترة كافية لإنهاء مهمة أو متابعة التعليمات. يترافق غالبًا مع النشاط الزائد، لكنه قد يظهر أيضًا من دون حركة مفرطة. وفقًا لجمعية الطب النفسي الأمريكية (APA)، يُصنّف ذلك أحيانًا ضمن اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)، لكن ليس كل طفل مشتّت يعاني من هذا الاضطراب.

يظهر التشتت في مواقف يومية، مثل عدم إكمال الواجبات، ونسيان الأدوات المدرسية، أو التنقل السريع بين الأنشطة من دون هدف. وتكمن الخطورة في استمرار ظهور هذه العوارض لفترة طويلة وتداخلها مع الأداء الدراسي والاجتماعي للطفل.
متى يُصبح التشتت خطرًا؟
لا يُعتبر كل تشتت انتباه عند الأطفال أمرًا خطيرًا. الأطفال بطبيعتهم يملّون بسرعة ويتشتتون بسهولة، خصوصًا في بيئات مليئة بالمحفزات. لكن هناك علامات واضحة يجب التنبه لها:
- إذا استمر التشتت لأكثر من 6 أشهر من دون تحسن.
- إذا أثّر على المستوى الدراسي أو العلاقات مع الآخرين.
- إذا كان مصحوبًا بسلوكيات اندفاعية أو عدوانية.
- إذا كان الطفل يعاني من صعوبة واضحة في إتمام المهام البسيطة حتى مع وجود دعم ومتابعة.
تشير الدراسات إلى أن 5-7٪ من الأطفال في سن المدرسة يعانون من عوارض تُصنّف ضمن نطاق اضطراب تشتت الانتباه (Willcutt, 2012). لذلك، إذا لاحظتِ استمرار المشكلة مع نمو الطفل، يجب التوجه إلى مختصّ نفسي أو طبيب أطفال مختص بالتطور السلوكي.
ما الأسباب المحتملة لتشتت الانتباه؟
تتعدّد أسباب تشتت الانتباه عند الأطفال، وتشمل العوامل الوراثية، والبيئية، والنفسية. مثلًا:

- العوامل البيولوجية: وجود خلل في كيمياء الدماغ، خاصة في نسب الناقلات العصبية مثل الدوبامين.
- البيئة المنزلية: غياب الروتين اليومي، وكثرة استخدام الشاشات، أو انعدام التواصل الأسري.
- الضغوط النفسية: مثل التعرّض للتنمر، والخلافات الأسرية، أو تغييرات مفاجئة في حياة الطفل.
أشارت دراسة نُشرت في Journal of Attention Disorders إلى أنّ استخدام الأجهزة الإلكترونية لأكثر من ساعتين يوميًا يزيد من مستويات التشتت لدى الأطفال بنسبة تصل إلى 31٪ (Twenge & Campbell, 2018). لذلك، يؤدّي تقليل هذه العوامل دورًا محوريًا في الحدّ من تدهور حال الطفل.
كيف تحمين طفلك من التشتت؟
لحماية طفلك من تشتت الانتباه عند الأطفال، لا بدّ من اعتماد خطوات واضحة وثابتة في الروتين اليومي. إليكِ أبرز الطرق:
- تنظيم الوقت: حدّدي للطفل جدولًا واضحًا للدراسة، واللعب، والنوم. وجود روتين يُقلّل من التشتت.
- الحد من الشاشات: امنعي استخدام الهاتف أو التلفاز خلال الدراسة أو الوجبات.
- تعزيز التواصل: تحدثي معه باستمرار، اسأليه عن يومه، وادعميه عاطفيًا.
- تقسيم المهام: بدلًا من طلب مهمة طويلة، قسّميها إلى أجزاء صغيرة، مع فواصل قصيرة.
- استخدام وسائل بصرية: اللوحات والرسومات تساعد الطفل على تتبّع المهام بشكل أفضل.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن اعتماد تقنيات تدريب الانتباه مثل الألعاب التي تتطلب تركيزًا، أو استخدام استراتيجيات التعزيز الإيجابي بعد كل مهمة مكتملة.
متى يجب زيارة الطبيب المختصّ؟
في حال جربتِ جميع الطرق المذكورة ولم تلاحظي أي تحسّن، أو إذا ازداد الوضع سوءًا، يُفضّل اللجوء إلى إجراء تقييم نفسي وسلوكي للطفل. سيقوم الطبيب بتقييم التركيز، والذاكرة، والانتباه من خلال اختبارات علمية وملاحظة السلوك في بيئات مختلفة.

لا تنتظري حتى تتراكم المشاكل الدراسية أو السلوكية. كلما كان التدخل مبكرًا، كانت نتائج العلاج وتحسين الأداء أفضل على المدى الطويل.
الخلاصة
في النهاية، لا يُعدّ تشتت الانتباه عند الأطفال مشكلة نادرة أو مخيفة دائمًا، لكنه قد يتحول إلى تحدٍ كبير إذا تم تجاهله أو تأخّر التعامل معه. إنّ إدراك الأهل للمؤشرات الأولية، والبحث عن حلول تربوية وعلمية مناسبة، هو مفتاح النجاح في حماية الطفل وتطوير قدراته.
تذكّري دائمًا أن كل طفل مختلف عن الآخر، وما يصلح لأحدهم قد لا ينجح مع غيره. لذلك، استمعي لطفلك، وراقبي سلوكياته بلطف، وكوني إلى جانبه في رحلة النمو والتطور. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن أسباب وكيفيّة التعامل مع تأخر النطق عند الأطفال.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ فهم الأهل لحال أطفالهم النفسية والسلوكية يُشكّل الأساس لأي تربية ناجحة. تشتت الانتباه عند الأطفال قد يكون نتيجة بسيطة لعوامل بيئية مؤقتة، أو قد يُخفي وراءه اضطرابًا يحتاج إلى علاج مختصّ. لا يجب على الأم أن تشعر بالذنب أو القلق الزائد، بل أن تتحرّك بخطى ثابتة نحو التقييم الصحيح والدعم المناسب. في زمن السرعة والشاشات، الطفل بحاجة إلى بيئة آمنة، ومتفهمة، وواضحة الحدود، أكثر من أي وقت مضى.