كيف نرجع نحب بعض وسط زحمة الحياة؟ سؤال بات يشغل بال كثير من الأزواج في زمنٍ أصبح الوقت فيه نادرًا، والمشاعر فيه متعبة، والعلاقات مهدّدة بالفتور. الحب الذي بدأ قويًا، وتحوّل تدريجيًا إلى مسؤوليات يومية، ومهام متراكمة، وصمت طويل. حتى الإيماءات الصغيرة اختفت. فهل نعيد إحياء العلاقة؟ وهل الحب ممكن من جديد رغم الضغوط؟
في هذا المقال، سنكتشف كيف نرجع نحب بعض وسط زحمة الحياة؟ من خلال خمس خطوات مدروسة ومدعومة بمفاهيم علم النفس العاطفي والعلاقات الأسرية. سنسلّط الضوء على دور الروتين في تآكل المشاعر، ثم ننتقل إلى طرح حلول عملية تعيد الدفء، وتُنعش العلاقة من جديد.
كيف يقتل الروتين الحب؟
غالبًا ما يبدأ كل شيء بنوايا صافية. نُحب، ونخطّط، ونتزوّج، ثم نغرق في اليوميات. الروتين هنا لا يعني فقط تكرار الأفعال، بل أيضًا غياب التجديد في العاطفة. وفقًا لدراسة نُشرت في Journal of Personality and Social Psychology، الشعور بالتكرار والملل اليومي يؤدي إلى انخفاض مستويات الأوكسيتوسين، وهو الهرمون المسؤول عن التقارب العاطفي بين الشريكين.

المفاجآت تختفي. العناق يصبح نادرًا. والحديث يتحوّل إلى تبادل معلومات لا أكثر. بهذه الطريقة، تتراكم مشاعر الفراغ. وهنا بالضبط، تبدأ العلاقة بالانهيار الصامت.
حدّدي وقتًا للعلاقة كما تحددين وقتًا للطعام والنوم
الخطوة الأولى للإجابة عن سؤال كيف نرجع نحب بعض وسط زحمة الحياة؟ هي الاعتراف أن العلاقة تحتاج وقتًا مخصصًا لها. ليس بعد الانتهاء من الأعمال، وليس بعد نوم الأطفال، بل في قلب النهار، وسط كل الضغوط اليوميّة. حدّدي 20 دقيقة يوميًا لا تتأجل. اجلسي مع زوجك. من دون هواتف، ومن دون مقاطعات.
تشير أبحاث من جامعة هارفارد إلى أن مجرد التحدث وجهًا لوجه لمدة 15 دقيقة يوميًا، يُحسّن الرضا الزواجي بنسبة 85%. فلا تستهيني بهذه الدقائق. خصّصيها، واحميها من أي طارئ.
تكلّمي لا تشتكي فقط
بالفعل، غالبًا ما نخلط بين التعبير عن الشعور والشكوى. إذ إن الحديث اليومي عن المشاكل والضغوط لا يُعبّر عن الحب، بل على العكس تمامًا، يُرهق العلاقة ويُعمّق الهوة بين الشريكين. ولهذا السبب، من المهم أن نُغيّر أسلوب التواصل. لذلك، خصّصي وقتًا للتعبير الإيجابي ولو لبضع دقائق فقط. على سبيل المثال، قولي له ما أعجبكِ في تصرفه اليوم، أو استعيدي معه ذكرى جميلة جمعتكما في الماضي، أو حتى اسأليه عن حلمه القديم الذي لم يُنجزه بعد. فهذه اللحظات البسيطة تُعيد بناء الثقة وتعزّز الأمان العاطفي بينكما بشكل تدريجي وفعّال.

بحسب معهد “غوتمان” الأميركي المختص بالعلاقات، والتقدير والامتنان من أقوى أدوات إصلاح العلاقات. استخدمي عبارات بسيطة مثل “أنا أقدّر تعبك”، و”أحببت طريقتك مع الأولاد”، أو حتى “أحببت مظهرك اليوم”. هذه العبارات تغيّر المزاج فورًا، وتعيد بناء الرابط العاطفي بينكما.
شاركيه اهتماماته ولو لمرة واحدة أسبوعيًا
لكن لا يزال السؤال مطروحًا: كيف نرجع نحب بعض وسط زحمة الحياة؟ والإجابة هذه المرة تكمن في فعل بسيط، ولكنه فعّال: شاركيه عالمه. على سبيل المثال، إن كان يحب كرة القدم، فاجلسي معه لمشاهدة مباراة حتى لو لم تفهمي كل التفاصيل. وإذا كان يحب الطهي، فلا تترددي في الدخول معه إلى المطبخ وتحضير طبق سهل معًا. أما إن كان يهوى التكنولوجيا، فاسأليه بين الحين والآخر عن آخر ما قرأ أو اكتشف، وأظهري اهتمامك الحقيقي. بهذه الطريقة، تبنين جسرًا جديدًا من التفاهم، وتشعرينه بأنكِ حاضرة في عالمه، لا فقط في محيط مسؤولياته.
إنّ الاهتمام بهوايات الشريك يُشعره بأنه مرئي، ومقدَّر، ومحبوب. وقد أثبتت دراسة من University of Denver أن مشاركة الأزواج في نشاط واحد أسبوعيًا تزيد من شعورهم بالترابط بنسبة 70%. ليس بالضرورة أن تَحبّي ما يُحِبّ، ولكن احترميه، وشاركيه للحظة.
غيّري تفاصيل بسيطة واصنعي الفرق الكبير
أحيانًا، لا تحتاج العلاقة إلى قرارات مصيرية، بل إلى تفاصيل صغيرة. بدّلي ترتيب غرفة النوم، وأضيفي لمسة عطر جديدة. أرسلي له رسالة صباحية تذيب قلبه وتجعله يفكّر بك. اكتبي له ملاحظة صغيرة في جيبه. هذه التفاصيل، رغم بساطتها، تخلق دهشة عاطفية تُجدد الحب.

تؤكّد الدراسات في مجال العلاج السلوكي أن التغيير البصري والروتيني يُحفّز الدماغ على إعادة التفاعل مع البيئة. اجعلي بيئتكما الزوجية مختلفة كل فترة. ليس من الضروري السفر أو تغيير المنزل، بل فقط إعادة ترتيب الحياة بذكاء.
الخلاصة
في النهاية، يبقى السؤال الأهم: كيف نرجع نحب بعض وسط زحمة الحياة؟ الجواب لا يكمن في معجزة، بل في نية حقيقية، وخطوات صغيرة تُكرر بانتظام. الحب لا يموت، لكنه يختبئ أحيانًا خلف التعب، والمشاغل، والصمت الطويل. إن منحنا العلاقة وقتًا، وجهدًا، واحترامًا، فسنجد أن المشاعر لا تزال موجودة، تنتظر فقط من يوقظها بلُطف. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ كيف تتجاوزين المشاكل بدون ما تخسري حبك أو نفسك؟
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ الحب ليس مجرّد شعور لحظي يشتعل في البدايات ثم يخبو، بل هو التزام يومي نُجدد فيه العهد مع من نُحب. هو قرار نأخذه كل صباح بأن نُعطي من وقتنا، وأن نُسامح رغم الأخطاء، وأن نُعبّر عن مشاعرنا بصدق، حتى لو غمرنا الإرهاق. الحب الحقيقي لا يعيش على الذكريات وحدها، بل يحتاج إلى مبادرات متكررة، وكلمات طيّبة، ونظرات صادقة تُذكّرنا لِمَ اخترنا هذا الشريك منذ البداية. في زحمة الحياة، من السهل أن ننسى، ومن السهل أن ننشغل، لكنّ الأصعب أن نستعيد العلاقة بعد أن نُهمِلها طويلًا. لذلك، لا تنتظري الوقت المناسب أو الظروف المثالية، بل اصنعي أنتِ هذا الوقت، ولو بخطوة صغيرة، ككلمة حنونة أو لفتة بسيطة. فالحب يُزهر من جديد حين نرعاه، وحين نُدرك أن أجمل ما فينا لا يجب أن نُضيّعه بين المواعيد والأعباء.