ابدئي بالتفكير في التحديات التي تواجه الأم العاملة. منذ اللحظة التي تستيقظين فيها وحتى نهاية يومكِ، تجدين نفسكِ بين مواعيد العمل، ومسؤوليات الأطفال، والتزامات المنزل. بين كل هذه الضغوط، يظهر شعور التعب، ويزداد الشعور بالذنب، ويتسلل الإرهاق العاطفي من دون أن تنتبهي له.
نُركّز في هذا المقال على 3 مشاعر أساسية تواجه الأم العاملة يوميًا: التعب الجسدي، والذنب النفسي، والإرهاق العاطفي. سنحلّل هذه المشاكل من منظور علمي، ونقترح حلولًا عمليّة قابلة للتطبيق فورًا. كل جزء يحتوي تفسير، وخطوات واضحة، ونصائح مبنيّة على دراسات علميّة حديثة من مصادر موثوقة.
واجهي التعب الجسدي ولا تهمليه
ابدئي بالاستماع إلى جسدكِ. تعاني الأم العاملة من شعور بالإجهاد المستمر الناتج عن تعدد المهام وقلة الراحة. عند تجاهل شعور هذا التعب، تظهر عوارض أكثر خطورة مثل الأرق المزمن، وتراجع المناعة، ونقص التركيز.

أثبتت دراسة من Harvard Health Publishing أن النساء اللواتي يعملن أكثر من 45 ساعة أسبوعيًا من دون الحصول على فترات راحة منتظمة، يواجهن خطرًا أعلى بنسبة 60% للإصابة بالإرهاق المزمن. لهذا السبب، لا تنتظري حتى الانهيار.
نظّمي فترات نومكِ. خصّصي 30 دقيقة مساءً للاسترخاء قبل النوم. امشي كل صباح 10 دقائق على الأقل. لا تؤجلي وجباتكِ، وتناولي أطعمة غنية بالحديد والمغنيسيوم، مثل السبانخ والموز، لتحفيز الطاقة وتقليل شعور التعب.
شعور الذنب عند الأم العاملة: خطوات لتحرير نفسكِ منه
يرافق شعور الذنب الأم العاملة في كل خطوة. تلوم نفسها باستمرار لأنها تترك أطفالها للعمل، وتشعر بعدم الكفاية عندما تتعب. لكنّ الحقيقة تكشف شيئًا مختلفًا.
نشرت American Sociological Review دراسة تؤكّد أن أبناء الأمهات العاملات يتمتعون بثقة بالنفس وقدرة على الاعتماد على الذات بشكل أعلى من غيرهم. لماذا؟ لأنهم يرون أمامهم نموذجًا يُوازن بين النجاح والرعاية.
بدلًا من الغرق في شعور الذنب، عبّري عن حبكِ بطرق ذكية. خصّصي وقتًا نوعيًا لأطفالكِ. اتركي العمل جانبًا عندما تتحدثين معهم. شاركيهم تناول وجبة أو قراءة قصّة. دعيهم يشعرون بأهميتهم رغم انشغالكِ. تذكّري أن الكمية لا تهم بقدر النوعية.
احمي نفسكِ من الإرهاق العاطفي الخفيّ
لا يظهر الإرهاق العاطفي فجأة. يبدأ بشكل تدريجي: تفقدين حماسكِ، ثم تغضبين لأسباب بسيطة، وتشعرين أنكِ وحدكِ. يُعدّ هذا النوع من الإنهاك من أخطر ما يُصيب الأم العاملة، لأنه لا يُرى بالعين ولا يُقاس بالحرارة.

دراسة نُشرت في Journal of Mental Health أظهرت أن الأمهات العاملات المُتعرضات لضغط دائم من دون تفريغ عاطفي، معرّضات للإصابة بالاكتئاب بنسبة 70% أكثر من غيرهن.
لذلك، امنحي نفسكِ مساحة نفسية. اكتبي في دفتر يومياتكِ، واحضري جلسة دعم جماعي. مارسي تمارين التنفس أو اليوغا. وخذي استراحة ذهنية، حتى لو لـ 15 دقيقة يوميًا، لتعودي بطاقة جديدة. لا تنتظري الدعم، بل اخلقيه.
تنظيم الوقت للأم العاملة: أسرار لتوازن يومكِ
ابدئي بتحديد ما هو مهم فعلًا في يومكِ. لا تسمحي للفوضى أن تسرق طاقتكِ. عندما تنظّم الأم العاملة وقتها، تخلق مساحة أكبر للشعور بالراحة النفسية، وتُقلّل من شعور التشتّت والإرهاق.
استخدمي دفترًا صغيرًا أو تطبيقًا رقميًا لتقسيم اليوم إلى فترات. خصّصي وقتًا للقيام بالعمل، ووقتًا لإنجاز أعمال المنزل، ووقتًا لكِ أنتِ فقط. لا تُهملي الحصول على فترات الراحة القصيرة بين المهام، فهي تمنحكِ شعور بطاقة ذهنية متجدّدة.
ركّزي على الأولويات، لا الكمال. لا بأس إن تأجّلت بعض التفاصيل. المهم أن تُنجزي ما هو ضروري من دون أن تَستهلكي نفسكِ. استعيني بمَن حولكِ، وفوّضي المهمات البسيطة، وابتعدي عن إرضاء الجميع. يبدأ التوازن من التنظيم، والنجاح الحقيقي يُقاس بقدرتكِ على العيش بسلام داخلي، لا بكثرة المهام المنجزة..
استثمري في صحتكِ النفسية والبدنية
الاستثمار في الذات ليس رفاهية. إنه ضرورة. الأم العاملة التي تهمل صحتها تصبح أكثر عرضة للانهيار، ما يؤثر على أطفالها وعملها وعلاقتها بمن حولها. لذلك، لا تؤجّلي العناية بنفسكِ.

اختاري ممارسة نشاطًا يُفرغ طاقتكِ مثل المشي، والسباحة، أو حتى الرقص. تناولي وجبات صحيّة في أوقات ثابتة. اشربي كميات كافية من الماء. خصّصي وقتًا أسبوعيًا للهوايات، حتى لو كانت بسيطة.
وفي الجانب النفسي، حاوري ذاتكِ وضعي حدودًا واضحة بين عملكِ وبيتكِ. لا تسمحي للعمل أن يسرق وقتكِ العائلي. وابدئي يومكِ بتأكيد إيجابي بسيط مثل: “أنا أُعطي وأستحق أن أُعطى.” تُعيد لكِ هذه العبارات توازنكِ الداخلي.
الخلاصة
نُدرك اليوم أن الأم العاملة ليست فقط امرأة تُوازن بين الوظيفة والمنزل، بل هي شخصية استثنائية تُمارس المقاومة اليومية. تعبها حقيقي، وشعورها بالذنب إنساني، وإرهاقها العاطفي مفهوم.
لكنها قادرة على التعامل مع كل ذلك بذكاء. عبر التنظيم، والعناية بالنفس، والبحث عن الدعم، تستطيع أن تحيا بتوازن داخلي، وتبني لأطفالها نموذجًا مُلهمًا للحياة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ أبرز تحديات الأم العاملة.