كل أم تجد نفسها في هذا الموقف: يوم طويل ومرهق، وطفلك يرفض تناول طعامه الصحي ويطالب بالبطاطا المقلية بدلًا منه. أنتِ لا ترغبين في مواجهة نوبة غضب، فتميلين إلى الاستسلام لمطالبه. مرّة بعد مرّة، تتكرّر هذه المواقف حتى يصبح لطفلك السلطة الكاملة في اتخاذ قراراته من دون أي قيود.
قد يبدو هذا الحل الأسهل، لكنه في الواقع قد يؤدي إلى عواقب طويلة الأمد على شخصية طفلك وسلوكياته. إذا كنتِ تجدين نفسك في موقف كهذا كثيرًا، فربما تكونين قد دخلتِ في دائرة “التربية المتساهلة“، وهي أسلوب قد يؤثر سلبًا على طفلك أكثر مما تتوقعين.
ما هي التربية المتساهلة؟
التربية المتساهلة هي نمط يقوم على تلبية رغبات الطفل دون وضع حدود واضحة لسلوكه. في هذا النمط، تفضل الأم تجنب المواجهات أو العقاب، ما يجعل الطفل معتادًا على الحصول على ما يريد من دون مجهود أو التزام بالقواعد. يعتقد بعض الآباء أن هذا الأسلوب يعزز ثقة الطفل بنفسه، لكنه في الواقع قد يؤدي إلى نتائج عكسية، مثل ضعف القدرة على ضبط النفس والشعور بالاستحقاق من دون مجهود.

تأثير التربية المتساهلة على شخصية الطفل
1. ضعف القدرة على التحكم بالنفس
عندما ينشأ الطفل في بيئة لا تحدد له حدودًا واضحة، يجد صعوبة في التحكم برغباته وعواطفه. يصبح غير قادر على تقبل الرفض أو تأجيل إشباع رغباته، ما قد يسبب له مشكلات في المستقبل، سواء في المدرسة أو في العلاقات الاجتماعية.
2. الشعور بالاستحقاق من دون مجهود
يعتقد الأطفال الذين ينشأون في بيئة متساهلة أنهم يستحقون كل شيء من دون الحاجة إلى العمل من أجله. هذا يجعلهم يواجهون صعوبات في مواجهة التحديات، لأنهم لم يعتادوا على بذل الجهد أو التعامل مع خيبات الأمل.
3. مشاكل في تكوين العلاقات الاجتماعية
يجد الأطفال الذين لم يتعلموا احترام القواعد أو التعامل مع الحدود صعوبةً في الاندماج في المجتمع. قد يواجهون مشاكل في المدرسة بسبب عدم التزامهم بالتعليمات، وقد يصطدمون بأقرانهم لأنهم لا يعرفون كيف يتعاملون مع الرفض أو الخلافات.
كيف يمكنكِ تحقيق التوازن في التربية؟
1. وضع قواعد واضحة
يحتاج الطفل إلى معرفة الحدود التي يجب عليه الالتزام بها. تأكدي من وضع قواعد واضحة ومحددة، وكوني حازمة في تطبيقها. لا يعني ذلك أن تكوني صارمة بلا مرونة، ولكن يجب أن يكون هناك توازن بين الحب والانضباط.
2. تعزيز الاستقلالية بطريقة صحيحة
شجّعي طفلك على اتخاذ بعض القرارات بنفسه، ولكن ضمن خيارات محددة مسبقًا. على سبيل المثال، بدلًا من سؤاله: “ماذا تريد أن تأكل؟”، يمكنكِ منحه خيارين صحيين ليختار بينهما، مثل: “هل تفضل الدجاج المشوي أم السمك؟”.
3. تعليم الطفل تقبل الرفض
لا تخافي من قول “لا” لطفلك عند الضرورة. تعليمه مواجهة الرفض بطريقة صحية يساعده على بناء شخصية قوية ومتزنة. عندما يطلب شيئًا غير مناسب، اشرحي له السبب بهدوء وأعطيه بديلًا يمكنه تقبله.
4. كوني قدوة حسنة
يتعلم الأطفال من تصرفات الأهل أكثر من كلماتهم. إذا كنتِ تريدين أن يحترم طفلك القواعد ويتحلى بالمسؤولية، تأكدي من أنكِ تقدمين نموذجًا جيدًا له في سلوكك اليومي.
قد تبدو التربية المتساهلة مريحة على المدى القصير، لكنها قد تؤثر سلبًا على شخصية طفلك في المستقبل. يحتاج الأطفال إلى الحب والاحتواء، لكنهم بحاجة أيضًا إلى قواعد وحدود واضحة تساعدهم على النمو بطريقة متوازنة. عندما تحققين هذا التوازن، فإنكِ تمنحين طفلك فرصة ليكون شخصًا مسؤولًا، قادرًا على التحكم بنفسه والتعامل مع الحياة بشكل صحي وإيجابي. ومن الجدير بالكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن الخطأ التربوي الذي نرتكبه يوميًا بدون أن ندري!