في عالمٍ مليء بالتحدّيات، هناك أشخاص نادرون يكرّسون حياتهم لخدمة الآخرين من دون مقابل. جيمس هاريسن، الملقّب بـ”الرجل ذو الذراع الذهبية”، هو أحد هؤلاء الأبطال الذين تركوا بصمة لا تُنسى في عالم الطب. لم يكن طبيبًا ولا عالمًا، لكنه ساهم في إنقاذ حياة أكثر من 2.4 مليون طفل، فقط من خلال تبرعه بالدم.
ربما لم يخطر لكِ يومًا أن تبرعًا بسيطًا بالدم يمكن أن يحدث فرقًا هائلًا، لكن قصة هاريسن تثبت أن الخير يبدأ بخطوة صغيرة. فمنذ شبابه، تعهّد هذا الرجل بالتبرع المنتظم بالبلازما، حاملًا في دمه جسيمًا مضادًا نادرًا يُعرف باسم NTD. وهو المكوّن الأساسي لعلاج يُنقذ الأطفال من مرض قاتل. فماذا يحدث للجسم بعد التبرع بالدم؟
كيف بدأ كل شيء؟
عندما كان جيمس في الرابعة عشرة من عمره، خضع لجراحة طارئة في صدره، احتاج خلالها إلى كمية كبيرة من الدم لإنقاذ حياته. بعد تعافيه، أدرك أهميّة التبرّع بالدم في إنقاذ الأرواح، فقرر أن يرد الجميل بطريقته الخاصة. عند بلوغه سن الثامنة عشرة، بدأ بالتبرع بالبلازما كل أسبوعين، ولم يتوقف عن ذلك حتى بلغ الحادية والثمانين.

لم يكن يدرك في البداية أن دمه يحمل سرًّا طبيًا نادرًا. لكنه مع مرور السنوات، أصبح العنصر الأساسي في تطوير علاج يحمي الأطفال من مرض “ريزوس”. وهي حال خطيرة تصيب الأجنة عندما يهاجم جهاز مناعة الأم خلايا دم الجنين.
ما سرّ دم جيمس هاريسن؟
رغم الدراسات المتعدّدة، لم يستطع الأطباء تحديد السبب الدقيق وراء امتلاك جيمس لهذا الجسيم المضاد النادر. إلّا أنّ بعض التقارير رجّحت أن السبب يعود إلى نقل الدم الضخم الذي تلقاه أثناء جراحته في عمر الرابعة عشرة. بفضل هذا اللغز البيولوجي، أصبح دمه موردًا طبيًا لا يقدَّر بثمن، وأُطلق عليه لقب “الرجل ذو الذراع الذهبية”.
في عام 2005، حقق رقمًا قياسيًا عالميًا لأكبر عدد من تبرعات البلازما من قبل شخص واحد. وهو رقم حافظ عليه لمدة 17 عامًا، حتى اعتُبر أحد أكثر المتبرعين تأثيرًا في العالم.
دروس من قصة هاريسن
قصّته ليست مجرد حكاية عن رجل تبرّع بدمه، بل هي رسالة لكِ ولكل شخص يؤمِن بقوّة العطاء. إليكِ بعض الدروس التي يمكن استخلاصها من رحلته:
- التبرع بالدم ينقذ الأرواح: قد لا تدركين تأثير قطرة دم واحدة، لكنّها قد تكون الفرق بين الحياة والموت لطفل أو أم بحاجة إليها.
- العطاء لا يحتاج إلى ثروة: لم يكن هاريسن مليونيرًا، لكنه ترك إرثًا أعظم من أيّ ثروة ماديّة.
- يمكنكِ أن تصنعي فرقًا: سواء من خلال التبرع بالدم، أو أي عمل إنساني آخر، فكلّ مساهمة صغيرة تحدث فرقًا كبيرًا.
على مدار 81 عامًا، لم يكن جيمس هاريسن طبيبًا، لكنه أنقذ ملايين الأرواح، وعلّم العالم أن الخير لا يحتاج إلى معجزات، بل إلى نية صادقة وخطوة بسيطة. ربما تكون الحياة التي تساهمين في إنقاذها يومًا ما.. هي حياتكِ نفسها. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن عوارض فقر الدم النفسية.