يُعدّ علاج صدمات الطفولة من أهم القضايا النفسيّة التي تواجه المجتمع، حيث يمكن لهذه المشكلة أن تترك أثرًا عميقًا ومستمرًا على حياة الشخص إذا لم يتم التعامل معها ومعالجتها بشكل فعّال، لذا عادةً ما نجد أنّ الأطفال الذين يتعرّضون لمثل هذه الحالات قد يواجهون تحديات كبيرة في مراحل حياتهم اللاحقة لدرجة أنّهم قد يُصابون بأحد الأمراض النفسية التي تُصيب الأطفال، ممّا يجعل من الضروريّ تقديم الرعاية والدعم اللازمين لهم.
في هذا المقال، سنتناول بالتفصيل أنواع الحالات التي قد تؤدّي إلى تعرض الأطفال للصدمات النفسية، ونتائج هذه الصدمات على شخصيتهم وسلوكهم في المستقبل، كما سنقدّم مجموعة من النصائح والتوجيهات المستندة إلى دراسات علميّة، لضمان تخطي هذه الصدمات والتمتع بحياة نفسيّة صحيّة وسعيدة.
الحالات التي تؤدّي إلى مواجهة صدمة في الطفولة
إنّ الطفولة هي مرحلة حسّاسة يتشكّل فيها الأساس النفسي والعاطفي للشخص، وقد يتعرّض الطفل خلالها لمواقف صعبة تؤدي إلى جروح نفسية عميقة، لذا قبل أن نطلعكِ على كيفية علاج صدمات الطفولة ، سنكشف لكِ عن أسباب هذه الحال في ما يلي:
العنف الجسدي أو النفسي
يُعتبر التعرّض للعنف أحد أكثر الأسباب شيوعًا لحدوث الصدمات النفسيّة عند الأطفال، فسواء كان عنفًا جسديًا يتمثّل في الضرب والإيذاء البدني، أو عنفًا نفسيًا مثل الإهانة والتوبيخ المستمر، يكون تأثير هذه الأفعال مدمرًا لنفسيّة الطفل، مما يجعله يشعر بالخوف الدائم وانعدام الأمان.
الإهمال العاطفي أو الجسدي
عندما يهمل الأهل أو مقدّمو الرعاية احتياجات الطفل الأساسيّة، سواء كانت عاطفيّة مثل الحب والاهتمام، أو جسديّة مثل الغذاء والرعاية الصحية، فإنّ هذا الإهمال يترك الطفل في حال من الفراغ العاطفي، وذلك لأنّه يشعر أنّه غير مرغوب فيه وغير محبوب، ممّا قد يؤدّي إلى مواجهة مشاعر العزلة والحزن.
التعرّض لمواقف مفاجئة وصادمة
قد يتعرّض الطفل لمواقف مفاجئة مثل الحوادث أو الكوارث الطبيعيّة، التي تكون صادمة وغير متوقعة، وهذه التجارب قد تتركه في حال من الصدمة النفسيّة العميقة، حيث يصعب عليه استيعاب ما حدث أو التعامل مع تداعياته.
طلاق والديه أو انفصالهما
يُعتبر الطلاق أو الانفصال بين الأبوين من أكثر التجارب التي قد تؤثّر على نفسيّة الطفل، حيث يشعر في هذه الحالات بالضياع والاضطراب، لا سيّما أنه يفقد الاستقرار العاطفي والاجتماعي الذي كان يشعر به داخل الأسرة.
وفقًا لموقع Center for Crime and Justice Studies في تقرير مفصَّل نُشِر تحت عنوان “Trauma and its contribution to violent behaviour”، إنّ الأشخاص الذين لديهم تاريخ من الصدمات يواجهون احتمالًا أكبر لإدراك مشاعر الآخرين بشكل خاطئ وتفسير نواياهم على أنّها ضارّة، كما أنّهم أكثر عرضة للمعاناة من انعدام الثقة، والشعور بالانعزال، والرفض الاجتماعي، وصعوبات في الكفاءة الاجتماعية. ولمعرفة المزيد من التفاصيل عن هذا التقرير يمكنكِ الضغط هنا.
تأثير هذه الصدمة على الشخص في المستقبل
يمكن أن تترك الصدمات النفسيّة التي يتعرض لها الطفل في مرحلة الطفولة آثارًا طويلة الأمد على حياته، قد تتجلّى في عدّة جوانب من شخصيّته وسلوكه، لذا قبل أن نبيّن لكِ كيفيّة علاج صدمات الطفولة ، سنكشف لكِ عن أبرز الآثار الجانبيّة التي قد تنجم عن هذه الحال في ما يلي:
الاكتئاب والقلق
إنّ الأطفال الذين تعرّضوا لصدمات نفسيّة يكونون أكثر عرضةً للإصابة بعوارض الاكتئاب الحاد والقلق في مراحل حياتهم المتقدّمة، فقد يشعرون بالحزن العميق والقلق المستمرّ، ممّا يؤثّر على جودة حياتهم وعلاقاتهم الاجتماعية.
صعوبات في بناء العلاقات الاجتماعية
قد يجد الأشخاص الذين عانوا من صدمات في طفولتهم صعوبة في تكوين علاقات اجتماعيّة صحيّة ومستقرّة، فقد يشعرون بالانفصال العاطفي عن الآخرين، ويعانون من نقص الثقة بالنفس والخوف من الارتباط.
اضطرابات النوم والأكل
قد يؤدّي التعرّض للصدمات النفسيّة إلى اضطرابات في النوم، مثل الأرق أو الكوابيس، وكذلك تغييرات في نمط الأكل، مثل فقدان الشهيّة أو الإفراط في تناول الطعام كوسيلة للتغلّب على التوتر.
ضعف الأداء الأكاديمي أو المهني
يعاني الأطفال الذين تعرّضوا لصدمات نفسيّة من صعوبة في التركيز والتحصيل الأكاديمي، وقد تستمرّ هذه المشكلة في حياتهم المهنيّة، حيث يجدون صعوبة في تحقيق النجاح والتقدّم.
نصائح وتوجيهات تضمن تخطّي تأثيرات هذه الصدمة
يتطلّب علاج صدمات الطفولة وضع خطّة متكاملة تشمل عدّة جوانب، لضمان الشفاء الكامل والتعافي من آثار هذه الصدمات، لذا سنقدّم لكِ في هذا السياق بعض النصائح والتوجيهات في ما يلي:
العلاج النفسي المختصّ
يعدّ الخضوع للعلاج النفسي من أهمّ الخطوات في علاج صدمات الطفولة ، لذا من الضروريّ اللجوء إلى مختصّين في العلاج النفسي، مثل العلاج السلوكي المعرفي (CBT) أو العلاج باللعب (Play Therapy)، حيث يمكن للطفل أن يعبر عن مشاعره ويتعامل مع الصدمة بطريقة صحيّة تحت إشراف مختصّين ومحترفين.
بحسب موقع Medical News Today في مقالة نُشِرَت العام الماضي تحت عنوان “Types of therapy for childhood trauma explained”، يمكن أن يساعد خضوع الطفل لجلسات العلاج النفسي على فهم الصدمة بشكل أعمق وتعلم كيفية الشفاء منها، وبشكل عام، ستظل الذكريات قائمة، لكنّ العلاج يمكن أن يقلّل من تأثيرها على عواطف الشخص، ممّا يجعلها أقلّ تأثيرًا وإزعاجًا في حياته اليومية. ولمعرفة المزيد من التفاصيل عن هذه المقالة يمكنكِ الضغط هنا.
دعم الأسرة والمحيط الاجتماعي
لا يمكن نكران دور الأسرة في دعم الصحة النفسية للأطفال وتسريع عمليّة الشفاء من الصدمات النفسية، لذا من الضروريّ توفير بيئة آمنة ومستقرة لهم يشعرون فيها بالحب والدعم.
كذلك، يمكن أن يكون للمحيط الاجتماعي، مثل الأصدقاء والمعلمين، دور كبير في تعزيز شعور الطفل بالثقة بالنفس وتخفيف آثار الصدمة.
تعليم الطفل تقنيات الاسترخاء والتأمل
إنّ ممارسة تقنيات الاسترخاء، مثل التنفس العميق والتأمّل، تساعد الطفل على التحكّم في مشاعره السلبية والتعامل مع التوتر، لذا يمكنها أن تكون أداة فعالة في تهدئته وتعزيز شعوره بالراحة النفسية.
التوجيه نحو أنشطة إيجابية
يساعد تشجيع الطفل على الانخراط في أنشطة إيجابية مثل ممارسة الرياضة أو الفنون في تحويل طاقاته السلبيّة إلى طاقات إبداعيّة، لذ يمكن أن تكون هذه الطريقة وسيلة فعالة للتعبير عن المشاعر المكبوتة والتعامل مع الصدمة بطريقة إيجابية.
توفير بيئة تعليمية داعمة
من الضروري التعاون مع المعلّمين في المدرسة لضمان فهمهم لحال الطفل النفسيّة، فيمكن لتواجده في بيئة تعليمية داعمة أن تساعده في التغلب على صعوبات التركيز والتحصيل الأكاديمي، وتوفير الدعم اللازم له في هذه المرحلة الحسّاسة.
إنّ علاج صدمات الطفولة يحتاج إلى صبر وجهود مستمرّة من قبل الأهل والمختصّين، لذا من خلال تقديم الدعم النفسي والاجتماعي المناسب، يمكن للأطفال الذين تعرضوا لصدمات نفسية أن يتخطوا هذه التجارب المؤلمة ويعيشوا حياة مليئة بالسلام الداخلي والنجاح الشخصي، فالطفل كوب من العاطفة ونحن نملأه ونفرّغه بكلماتنا وتصرّفاتنا.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ التعامل المبكر مع الصدمات النفسية والتدخل الفوري يمكن أن يكون له تأثير كبير على مستقبل الطفل، لذا علينا أن نكون على وعي كامل بأهمية تقديم الرعاية والدعم للأطفال الذين مروا بتجارب صادمة، وأن نسعى جميعًا لتوفير بيئة آمنة ومستقرة لهم، تضمن نموهم العاطفي والنفسي السليم، فعندما نقدم للأطفال الدعم الذي يحتاجونه، نساهم في بناء جيل قوي وقادر على التغلب على التحديات، ليعيش حياة مليئة بالنجاح والسعادة.