الصراخ على الطفل بعمر سنتين هو سلوك قد يُمارَس يوميًّا في العديد من البيوت، من دون وعي بحجم أضراره. في هذا العمر الحرج، يكون الطفل في ذروة اكتشاف العالم من حوله، بينما يطوّر إحساسه بالذات وثقته بنفسه. غير أنّ هذا الاكتشاف قد يُقابَل بردّات فعل انفعاليّة من الأهل، كالصراخ والتوبيخ، ممّا يُعيق هذا النمو الطبيعي.
في هذا المقال، سنُطلعكِ على أهمّ ما توصّلت إليه الدراسات الحديثة حول آثار الصراخ على الطفل بعمر سنتين. سنتطرّق إلى التأثيرات النفسيّة والعصبيّة، ونقترح بدائل فعّالة تساعدكِ في التعامل مع سلوك طفلكِ بهدوء. كذلك سنُقدّم نصائح عمليّة قابلة للتطبيق.
تأثير الصراخ على النمو النفسي للطفل
في عمر السنتين، تبدأ ملامح الشخصيّة بالتشكّل. كلّ كلمة يسمعها الطفل تترك أثرًا عميقًا في نفسه.

أثبتت دراسات علميّة عديدة أنّ الصراخ على الطفل بعمر سنتين يزيد من مستويات الشعور بالتوتّر والقلق لديه. في دراسة نُشرت في Journal of Child Psychology and Psychiatry (Smith et al., 2020)، وُجد أنّ الأطفال المعرّضين للصراخ المستمر يُظهرون معدّلات أعلى من اضطرابات القلق لاحقًا في الطفولة.
إضافةً إلى ذلك، يرتبط الصراخ بانخفاض احترام الذات. عندما يسمع الطفل كلمات جارحة أو نبرة غاضبة من أقرب الناس إليه، يبدأ بتكوين صورة سلبيّة عن نفسه. هذا الشعور قد يلازمه لسنوات طويلة.
ليس هذا فحسب، بل أظهرت الأبحاث أنّ الأطفال الذين يتعرّضون للصراخ يطوّرون سلوكيات عدوانيّة. فهم يقلّدون النماذج السلوكيّة التي يشاهدونها، فيلجأون للصراخ أو الضرب عندما يواجهون تحدّيات.
كيف يؤثّر الصراخ على دماغ الطفل؟
لا يتوقّف الأثر العميق للصراخ عند النفس، بل يمتدّ ليطال البنية العصبيّة للدماغ.
تشير دراسات التصوير العصبي إلى أنّ الصراخ على الطفل بعمر سنتين يؤثّر سلبًا على تطوّر القشرة الأماميّة للدماغ (prefrontal cortex)، المسؤولة عن التنظيم العاطفي واتّخاذ القرارات (Tomoda et al., 2009).
عند تعرّض الطفل لصراخ متكرّر، يُنتج جسمه هرمون الكورتيزول بكميّات مرتفعة. هذا الهرمون، المعروف بهرمون التوتّر، عندما يبقى مرتفعًا لفترات طويلة، يعيق التشابكات العصبيّة الضروريّة للتعلّم والانتباه.
أيضًا، وجدت الأبحاث أنّ التعرّض المستمر للصراخ يضعف القدرة على بناء علاقات اجتماعيّة سليمة. الطفل يصبح أكثر حذراً وأقلّ ميلًا للانخراط في تجارب جديدة، خوفًا من التعرّض لمزيد من الإيذاء اللفظي.
لماذا يلجأ الأهل للصراخ؟ وما البدائل؟
رغم إدراك معظم الأهل لخطورة الصراخ، إلا أنّهم يجدون أنفسهم عالقين في هذا السلوك. لماذا؟

تُظهر الدراسات أنّ أسباب الصراخ على الطفل بعمر سنتين غالبًا ما تعود إلى ضغوط الحياة، ونقص النوم، وتوقّعات غير واقعيّة لسلوك الطفل، وعدم معرفة استراتيجيات بديلة (Leijten et al., 2019).
لذلك، أوّلًا، يجب على الأم والأب أن يدركا أنّ في عمر السنتين، الطفل لا يتعمّد التحدّي أو العصيان. كثير من السلوكيات المزعجة تكون جزءًا طبيعيًّا من محاولته لفهم العالم.
البدائل كثيرة وبسيطة. على سبيل المثال:
- خذي نفسًا عميقًا قبل الردّ.
- استخدمي نبرة هادئة لكن حازمة.
- وفّري للطفل بيئة منظّمة تقلّل من فرص السلوكيات المزعجة.
- طبّقي قاعدة “العدّ إلى 10” قبل التفاعل.
- عوّدي نفسكِ على استخدام عبارات إيجابيّة تشجّع السلوك المرغوب.
عندما يشعر الطفل أنّه مسموع ومفهوم، يصبح أكثر تعاونًا. بالمقابل، عندما يتعرّض للصراخ، يميل إلى الرفض والعناد.
نصائح علميّة عمليّة لإدارة الغضب أمام الطفل
يمكن تقليل نوبات الصراخ باتّباع خطوات بسيطة لكن فعّالة.

- التعرّف إلى محفّزات الغضب: دوّني الأوقات أو المواقف التي تدفعكِ إلى الصراخ. ما الذي يثيركِ أكثر؟ مجرّد الوعي بهذه المحفّزات يخفّف حدّتها.
- مارسي الرعاية الذاتيّة: الأم المرهَقة أكثر عرضة لفقدان السيطرة. خصّصي وقتًا يوميًّا للاسترخاء، حتى ولو لعشر دقائق.
- تعلّمي مهارات التواصل الإيجابي: بدّلي الأوامر بالصيغ الإيجابيّة. بدلًا من “لا تركض”، قولي “امشِ بهدوء”.
- اطلبي الدعم: لا تتردّدي في طلب مساعدة الشريك، الأصدقاء، أو حتّى المختصّين. التربية مسؤوليّة كبيرة ولا ينبغي حملها وحدكِ.
- درّبي نفسكِ على الصبر: الصبر مهارة مكتسبة. كلّ يوم، حاولي تحسين ردود فعلكِ تدريجيًا.
لهذا السبب، من الضروري أن تعتبري كلّ موقف يومي فرصة لبناء جسور الثقة مع طفلكِ بدلًا من هدمها بالصراخ. فكلّ كلمة إيجابيّة، وكلّ لحظة صبر، تساهم في تعزيز شعوره بالأمان الداخلي. تذكّري أنّ الطفل في عمر السنتين لا يملك القدرة الكاملة على فهم القيود الاجتماعيّة، بل هو يتعلّمها من خلالكِ. عندما يرَكِ قدوة في التحكّم بالغضب والتعبير عن المشاعر بشكل متوازن، سيكتسب هذه المهارات تدريجيًّا. مما يؤسّس لشخصيّة أكثر مرونة وثباتًا في مواجهة تحدّيات الحياة.
الخلاصة
في الختام، من المهم أن نُدرك جميعًا أنّ الصراخ على الطفل بعمر سنتين ليس مجرّد ردّ فعل عابر. إنّه سلوك يحمل تبعات بعيدة المدى على نفسيّة الطفل ودماغه وعلاقته بنفسه وبالآخرين.
عبر فهمنا لآثاره، واعتمادنا على استراتيجيات بديلة قائمة على الهدوء والتواصل البنّاء، نستطيع بناء بيئة آمنة ومحِبّة تعزّز نموّ الطفل الصحي. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن علامات ذكاء الطفل بعمر سنتين والألعاب التي تناسبه.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ كلّ أمّ تمرّ أحيانًا بلحظات من التعب والغضب، وهذا أمر طبيعي. المهمّ هو ألا نُطبع سلوكنا بالصراخ، وألا نُشعر الطفل أنّه غير مقبول. الطفل في عمر السنتين يحتاج إلى حضن دافئ، وكلمات مشجّعة، وصوت مطمئن. عبر بناء علاقة قائمة على التفهّم والحبّ، نزرع في طفولته بذور شخصيّة قويّة ومتوازنة.