هل تمني الموت مرض نفسي ؟ سؤال يطرح نفسه بقوة مع تزايد الضغوط النفسية التي تواجهها النساء في عالم اليوم. تمرّ كثيرات بلحظات ضعف يشعرن فيها أن الحياة قد أثقلت كاهلهن. فيخطر لهن هذا التساؤل: هل مجرد تمني الموت دليل على خلل نفسي؟ أم هو مجرد رد فعل طبيعي في وجه الأزمات؟
في هذا المقال، سنعالج الموضوع من زوايا متعددة: دلالات تمني الموت، والعلاقة بين التفكير بالموت والصحة النفسية، وتحليل ما إذا كان تمني الموت يرتبط بأمراض نفسية خطيرة. كما سنقدّم توضيحًا لما يعتبره العلماء “أسوأ مرض نفسي”.
على ماذا يدل تمني الموت؟
هل تمني الموت مرض نفسي ؟ في البداية، لا بد من توضيح أن تمني الموت لا يعني بالضرورة وجود اضطراب نفسي. بل قد يكون انعكاسًا لمستوى مرتفع من الألم العاطفي أو الجسدي، أو ناتجًا عن شعور عميق بالإحباط، أو العزلة، أو فقدان المعنى.
أظهرت دراسة نُشرت في Journal of Affective Disorders عام 2017 أن تمني الموت شائع بين الأشخاص الذين يعانون من القلق المزمن، أو من الشعور باللا جدوى. حتى وإن لم يتم تشخيصهم بمرض نفسي حاد. كما بينت الدراسة أن النساء أكثر عرضة لتمني الموت في مراحل تتسم بتغيرات هرمونية كبيرة، مثل الحمل أو ما بعد الولادة. حيث تتراجع مستويات السيروتونين، ما يؤثر على تقلّب المزاج والقدرة على التكيف.
لكن من المهم التفريق بين الأمنيات العابرة بالموت والتي تكون ناتجة عن لحظة يأس، وبين الرغبة المستمرة في إنهاء الحياة. والتي غالبًا ما ترتبط باضطرابات نفسية أكثر تعقيدًا. فالتمني العرضي يزول بزوال الموقف الضاغط، أما التمني المستمر، فقد يكون مؤشرًا إلى ضرورة التدخل النفسي.
هل التفكير في الموت من أعراض المرض النفسي؟
هل تمني الموت مرض نفسي ؟ إنّ التفكير في الموت لا يعني دائمًا وجود خلل نفسي. لكنه قد يكون عرضًا من عوارض اضطرابات محددة، أبرزها الاكتئاب الحاد.
وفقًا للجمعية الأمريكية للطب النفسي (APA)، فإن أحد المؤشرات الأساسية لتشخيص الاكتئاب السريري هو التفكير المتكرر في الموت أو الانتحار. سواء من دون خطة واضحة أو مع وجود نية محددة. وفي هذا السياق، يتداخل سؤال “هل تمني الموت مرض نفسي؟” مع فهمنا لخصائص الاكتئاب.
كما يظهر التفكير في الموت في اضطرابات القلق العام واضطراب ما بعد الصدمة، خاصة لدى من تعرضن لصدمات نفسية أو فقدان مفاجئ. أظهرت مراجعة علمية في مجلة Psychological Medicine عام 2020 أن التفكير المتكرر في الموت قد يكون أيضًا نتيجة خلل في نظام المعالجة الدماغية للمشاعر. تحديدًا في الفص الجبهي المرتبط بالتنظيم الانفعالي.
إلا أن التفريق بين التفكير الطبيعي بالموت كظاهرة وجودية، وبين التفكير القهري به، يُعد ضروريًا لتحديد مدى الحاجة للدعم النفسي أو العلاجي.
ما هو أسوأ مرض نفسي؟
هل تمني الموت مرض نفسي ؟ وما هو أسوأ مرض نفسي؟ عند الحديث عن “أسوأ” مرض نفسي، تشير معظم المصادر العلمية إلى أن الاكتئاب الحاد المصحوب بأفكار انتحارية يُعد من أكثر الاضطرابات النفسية خطورة. سواء من حيث تأثيره على جودة الحياة أو من حيث نتائجه المأساوية إذا تُرك من دون علاج.
يؤكّد تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2023 أن الاكتئاب يُصنّف اليوم كأحد الأسباب الرئيسية للإعاقة حول العالم، ويصيب النساء بنسبة أعلى من الرجال. خاصة في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. ويزداد الأمر تعقيدًا عندما يترافق الاكتئاب مع اضطرابات أخرى مثل القلق. أو مع ظروف حياتية قاسية كالطلاق، أو الفقر، أو فقدان الدعم العاطفي.
وفي بعض الحالات، يظهر اضطراب الهوية الانفصامية أو الفصام كأمراض نفسية شديدة التأثير. وقد ترافقها أيضًا أفكار متكررة عن الموت. لكن نادرًا ما تتواجد هذه الحالات من دون عوارض مرافقة أكثر وضوحًا مثل الهلوسات أو الانفصال عن الواقع.
بناءً عليه، لا يمكن اعتبار مجرد تمني الموت دليلاً كافيًا على وجود أحد هذه الأمراض. لكن من الضروري التقييم النفسي الشامل.
هل تمني الموت مرض نفسي؟
عند العودة للسؤال الأساسي: هل تمني الموت مرض نفسي فعلًا؟ لا نجد إجابة واحدة تناسب كل الحالات. الأطباء النفسيون يعتمدون على معايير تشخيصية دقيقة لتحديد ما إذا كان هذا التمني عرضًا نفسيًا يجب معالجته أم لا.
إذا ترافق تمني الموت مع عوارض أخرى مثل فقدان الاهتمام، أو اضطرابات النوم، أو تغيّر الشهية، أو الانعزال الاجتماعي، فمن المرجح أن يكون مؤشرًا على اضطراب نفسي. أما إذا جاء كرد فعل لحالة عابرة أو ظرف مؤلم، فقد يكون مجرد تعبير عن الألم من دون أن يتطلّب تدخلًا علاجيًا طويل الأمد.
من هنا، يمكن القول إن السياق هو العامل الحاسم، وإن التواصل مع متخصص نفسي هو الخطوة الأهم للفهم والتشخيص السليم.
الخلاصة
تمني الموت ليس موضوعًا يُستهان به أو يُقلّل من شأنه. فسواء كان ناتجًا عن ألم داخلي دفين أو عن حال صحية نفسية غير مشخصة، فإنه يستحق أن يُؤخذ بجدية. لا يعني دائمًا وجود مرض نفسي، لكنه في كثير من الأحيان يضيء على صراعات داخلية تحتاج للإنصات والتفهّم. من الضروري أن تتعامل المرأة مع نفسها بلطف، وأن تدرك أن السعي وراء الراحة النفسية ليس ضعفًا، بل شجاعة. والمجتمع، بدوره، عليه أن يوفر المساحات الآمنة للبوح والدعم النفسي. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وأجبناكِ على سؤال: ما هو الضغط النفسي؟
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن طرح سؤال مثل هل تمني الموت مرض نفسي؟ يكشف عن وعي متزايد بالصحة النفسية لدى النساء، وهذا تطوّر إيجابي. لكن يجب أن يصاحبه توعية حقيقية بأن المشاعر المؤلمة، مهما بدت ثقيلة، يمكن التعامل معها ومعالجتها. تمني الموت ليس عيبًا، لكنه نداء داخلي للنجدة. وكل امرأة تمرّ بهذه اللحظات تستحق أن تُسمع وتُفهم وتُحتوى. أشجع كل امرأة تشعر أن الحياة أصبحت عبئًا أن لا تصمت. فالصمت يؤذي أكثر من الألم ذاته. والتوجه إلى الدعم النفسي لا ينتقص من كرامتها، بل يعكس قوتها وحرصها على نفسها ومن تحب.
