نشاركك في هذه المقالة على موقعنا بمقابلات حصرية قمنا بها مع أمّهات لعبن دور الأب، فهل نجحن بالتعويض عن غيابه؟
يتحدّث الكاتب إيريك إيمانويل شميت في كتابه “يوميات حبّ ضائع” عن الولادة المزدوجة فيقول: “عندما يولد الطفل تولد الأم أيضًا. كل ولادة هي ولادة مزدوجة”. ولكن في حديثنا مع 3 أمّهات يحاولن التعويض عن غياب الزوج، لاحظنا أنّ “ولادة” الأم هي حالة يومية.
3 أمّهات يفضّلن عدم ذكر أسمائهنّ، شاركنن في اختبار التعويض عن غياب الأب المتوفي، الطليق والمسافر. قصص مؤثّرة، فيها قليل من التعب، قليل من المثابرة، قليل من الأمل والكثير الكثير من الأمنيات التي من الصعب أن تتحقّق.
تعويض الأم عن غياب زوجها المتوفي
“فقدت زوجي العام 2011. بقيت مع طفلين بعمر 6 سنوات 4 سنوات. لم تكن الأمور سهلة في البداية، زوجة مفجوعة وولدين يفتقدان لوالدهما. خسرت السند، الحبيب، الزوج والصديق. بعد حوالي 6 أشهر وجدت نفسي أمام قرار علي اتّخاذه وخطوات عملية عليّ المضي بها. رافقني طبيب نفسي في هذه المرحلة حتى وصلت إلى فلسفة تقول بإنّي خسرت زوجي جسديًا وممنوع على الحياة أن تكسرني. ممنوع أن يشفق أحد على أولادي. وقفت وأكملت المشوار بالرغم من بعض الأمور التي كانت تؤلمني وتُضعف عزيمتي.
فيما خص القرارات العائلية التي اعتدت على اتّخذاها مع زوجي، كنت أقف في غيابه وأسأل نفسي: إذا كان زوجي حاضر الآن ماذا كان ليفعل؟
كنت أقول إنّه مثل كل عائلة بوجود الوالدين أو بغياب واحد منهما هناك صعوبات كثيرة. كنت دائمًا على تواصل مع أولادي، تواصل واضح وصريح، رغم ألمهما الذي زاد مع الوقت ولم ينقص، استطعنا أن نكون ممتنين لما نحن عليه، ونشكر الله على دعم وحضور الأهل والأصدقاء. كنت أقول لهما صحيح أن حضور بابا هو الأهم إلا أنّه حاضر معنا بالروح.
كنت منتبهة على مراحل نمو أولادي، وفي مرحلة البلوغ طلبت من أحد الأصدقاء الشباب أن يجلس مع ابني ويحدّثه عما سيواجهه في هذه المرحلة. لم أستطع أن أعوّض فعليًا عن زوجي، ولكن استعنت بأحد الأصدقاء للقيام بذلك. في حدث آخر، عبّر ابني لمعلّمته في المدرسة عن رغبته في قيادة السيارة عندما كان في سنّ المراهقة، بينما كان أصدقاءه يتحدّثون عن خروجهم مع والدهم للصيد وقيادة السيارة. كان ابني يعلم أنّي أخاف عليه ولم يعبّر لي عن رغبته هذه، إلّا أنني فاجأته مرّة وقلت له هيا قُد بنا السيارة. تفاجأ وفرح بهذه الخطوة”.
غياب الأب لا يعوّض، ومعه تغيب أمور لا يمكن للأم أن تقوم بها، ولكن الإستعانة برجل قريب من الأولاد، كجدّ أو خال أو عمّ أو صديق قد يكون بديلًا مشجّعًا.”
تعويض الأم عن غياب طليقها
“إنّنا في مرحلة الطلاق ولدينا ولدان يبلغان من العمر 4 سنوات وسنتين. وضعنا العائلي شبه مستقرّ لأننا نتفق على كل ما هو لخير الأولاد. أصبحت لوحدي في المرض والإهتمام اليومي بالطفلين. ورغم أنّهما يلتقيان بوالدهما يوميًا، إلّا أنّ حاجتهما لعاطفته واشتياقهما إليه ليس له وقت. حتى الآن لم أستطع التعويض عن أمان الأب وحنانه عندما يطلبانه في منتصف الليل. أحرص على أن أذكّرهما بصفات والدهما فأقول “إنّك قوي مثل بابا” بهدف الحفاظ على صورة الأب. لا زلت آخذهما لقص شعرهما على أمل أن يستطيعا يومًا الذهاب مع والدهما واكتشاف هذا العالم معه.
في يوم من الأيّام، بينما كان ابني يلعب مع أصدقائه كرة القدم، أتى إليّ حزينًا وقال إنّه ليس جيّدًا في اللعبة. فما كان عليّ سوى أن ألعب معه بالطابة، لأثبت له أنني أنا أيضًا قد لا أعرف إلا أنني أحاول. من جهة أخرى، استطاع أهلي وتحديدًا والدي وأخي التعويض عن غياب صورة الأب أحيانًا، وقد نجحت في ذلك، بحيث أنّ طفليّ يستعينان بوالدي عند الحاجة. عندما كنت مريضة، سألني ابني لم لا يأتي جدّي ليأخذنا إلى المدرسة؟”
في حال الطلاق، يبقى الأمر أسهل من الوفاة، وبالإتفّاق يمكن أن يبقى الأب اللاعب الوحيد لدوره. ومع ذلك، تستعين الأم المطلّقة بأقربائها في حالات استثنائية للتعويض عن غيابه.
تعويض الأم عن غياب زوجها المسافر
“يعمل زوجي خارج البلد ولدينا طفلان. ابنتي بعمر 4 سنوات وابني سنتين. غياب زوجي بداعي السفر يخلق ضرورة لتنظيم أكبر وأدق لحياتي معهما. ولتسهيل حياتنا وتأمين حضور نوعي مع الأولاد، اتّفقنا على ألا يغيب أكثر 10 أيام متتالية، لأنني لن أستطيع بعد ذلك التعويض بشكل سليم خصوصا أنهما يشتاقان إلى والدهما كثيرًا.
نحرص دومًا على التعويض معًا عن غيابه بالتعبير عن الإشتياق من خلال التواصل عبر الفيديو. نعبّر عن فخرنا به لأنّه يضحّي من أجلنا. وعندما يزيد الشوق لا يسعني التعويض عن غيابه سوى بالقيام بنشاطات ليتمكّنا من التعبير عن مشاعرهما بشكل سليم، فنصنع أعمالا يدوية لنقدّمها له عندما يعود من السفر.
لا أخفي صعوبة القيام بالواجبات اليومية بمفردي كالتحضير للمدرسة وتوصيلهما وإعادتهما بعد الظهر، في حين أنّه عندما يكون معنا تكون الأمور أسهل وأسرع. أمّا الويك أند، فهو الأصعب! أستعين بجليسة الأطفال لبعض الوقت لأتمكّن من شراء كل ما يلزم للأسبوع المقبل”.
التواصل عن بُعد مع الأطفال، يمكن أن يكون تعويضًا مثاليًا عن غياب الأب، بالرغم من الصعوبات اليومية التي قد تواجهها الزوجة عند سفر زوجها والتي تدفعها للقيام بمجهود أكبر للحفاظ على الروابط العائلية… عن بُعد!
أخيرًا، نسمح لاختبار هؤلاء الأمهات أن يُضيف عما قاله الكاتب سميث عن الولادة المزدوجة، أنّ الأم لا تولد مرّة ثانية مع ولادة طفلها، بل مرّات ومرّات عند كل تحدٍّ تُضطر إلى خوضه بمفردها من أجل طفلها.