لماذا يفشل البعض في الحفاظ على العلاقة الزوجية رغم الحب؟ سؤال يطرح نفسه بقوة مع ازدياد نسب الانفصال في المجتمعات الحديثة. الحب، رغم أهميته الكبرى، لا يكفي دائمًا لضمان استمرارية العلاقة. فقد تكشف السنوات أن مشاعر الحب وحدها عاجزة عن حل النزاعات أو بناء حياة زوجيّة مستقرة.
في هذا المقال، سنرسم لكِ خريطة مفصّلة لفهم الأسباب التي تجعل العلاقات تنهار رغم الحب. سنغوص معًا في أعماق النفس البشرية، مستندين إلى أحدث الدراسات العلمية، لنكشف الأسباب الحقيقية خلف هذه الظاهرة.
اختلاف التوقعات
أحيانًا، يبدأ التباعد بين الزوجين بطريقة خفية جدًا. مع مرور الوقت، تظهر الفجوات بين التوقعات والواقع. وفقًا لدراسة نشرت في مجلة Journal of Marriage and Family، فإن التوقعات غير الواقعية تعد من أبرز الأسباب التي تشرح لماذا يفشل البعض في الحفاظ على العلاقة الزوجية رغم الحب؟
عندما يتوقع أحد الطرفين أن يكون الآخر كاملًا أو يحقق له كل احتياجاته النفسية والعاطفية من دون عناء، يحدث خيبة أمل. إضافةً إلى ذلك، غياب التواصل الصريح حول هذه التوقعات يعمق الهوة بين الطرفين تدريجيًا.
ضعف مهارات التواصل
من ناحية أخرى، أظهرت أبحاث علمية عديدة أن غياب مهارات التواصل الفعّال بين الزوجين يهدد استقرار أي علاقة. فعلى سبيل المثال، بحث نشر في Journal of Social and Personal Relationships أشار إلى أن الأزواج الذين يفتقرون إلى القدرة على التعبير عن مشاعرهم بوضوح، هم أكثر عرضة للفشل العاطفي.
التواصل لا يعني فقط الحديث، بل يشمل أيضًا الإصغاء العميق، والتعبير عن الاحتياجات بطريقة مباشرة ومحترمة. لذلك، عندما يغيب هذا التواصل، تزداد التوترات اليومية، وتتراكم المشكلات الصغيرة حتى تنفجر فجأة.
الضغوط الخارجية
في كثير من الأحيان، لا تكون المشاكل بين الزوجين داخلية فقط. بل تلعب الضغوط الخارجية دورًا كبيرًا في تفسير لماذا يفشل البعض في الحفاظ على العلاقة الزوجية رغم الحب؟
العمل المرهق، والمسؤوليات المادية، وضغوط العائلة، وحتى التحديات الصحية، جميعها عوامل تستنزف الطاقة النفسية للأزواج. وقد بيّنت دراسة أجرتها American Psychological Association أن التوتر أو القلق المزمن يؤثر بشكل مباشر على جودة العلاقات الزوجية . لذلك، إن لم يتمكن الزوجان من إدارة هذه الضغوط معًا، تتعرض علاقتهما لخطر الانهيار.
اختلاف القيم والأهداف
رغم الحب، قد يكتشف الزوجان بمرور الوقت أن لديهما رؤى مختلفة جدًا للحياة. أوضحت بعض الدراسات أن انسجام القيم والأهداف المستقبلية هو عنصر حاسم لنجاح الزواج. وعندما تكون الرؤية المستقبلية لكل طرف متباعدة، يصبح من الصعب بناء خطط مشتركة.
على سبيل المثال، قد يرغب أحد الزوجين بالتركيز على العمل وتحقيق الذات، بينما يفضّل الآخر تأسيس عائلة كبيرة. هذا الاختلاف، وإن بدا بسيطًا في البداية، قد يؤدي لاحقًا إلى مواجهة صراعات مستمرة وفقدان الرابط العاطفي.
تأثير تجارب الطفولة
تلقي تجارب الطفولة بظلالها على الحياة الزوجية. فوفقًا لدراسة منشورة في Attachment & Human Development Journal، الأشخاص الذين عانوا من الإهمال أو الصدمات العاطفية في طفولتهم قد يواجهون صعوبات كبيرة في الحفاظ على علاقة صحية.
في المقابل، يحمل هؤلاء الأشخاص معهم خوفًا داخليًا من الهجر أو صعوبة في الثقة بالآخرين. مما يجعل العلاقات عرضة للاضطراب رغم وجود الحب الصادق.
الإشباع العاطفي
من المؤكد أن الإشباع العاطفي يمثل حجر الأساس في أي علاقة ناجحة. ولكن في بعض الأحيان، مع تراكم المسؤوليات والضغوط، يغفل الزوجان عن أهمية العناية بالعلاقة نفسها. فغياب المبادرات الصغيرة، مثل كلمات الدعم أو اللمسات الحنونة، يؤدي إلى شعور الطرفين بالإهمال العاطفي.
كما أظهرت دراسات مثل تلك المنشورة في Personal Relationships Journal أن الإشباع العاطفي المنخفض يعد من أهم الأسباب التي تفسر لماذا يفشل البعض في الحفاظ على العلاقة الزوجية رغم الحب؟
لذلك، لا بد من الاستثمار المستمر في العلاقة، مهما كانت الضغوط الخارجية.
غياب النمو المشترك
تقوم العلاقة الزوجية السليمة على تطوّر الطرفين معًا. لذلك، عندما يتطور أحد الزوجين فكريًا أو عاطفيًا بينما يبقى الآخر في مكانه، تنشأ فجوة يصعب ردمها.
هذا النمو غير المتوازن يولد مشاعر من الغربة، مما يفسر، مرة أخرى، لماذا يفشل البعض في الحفاظ على العلاقة الزوجية رغم الحب؟ المشاركة المستمرة في الأهداف والتجارب تساعد على الحفاظ على التوازن والانسجام.
في النهاية، الحب وحده لا يكفي لبناء علاقة زوجية متينة. لذلك، يحتاج الزواج إلى مهارات حقيقية، مثل التواصل الفعّال، وإدارة التوقعات، والتعامل مع الضغوط الخارجية، والعمل على النمو المشترك. فقط من خلال الجهد المشترك يمكن تحويل الحب إلى علاقة مستقرة وقوية. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وعرضنا لكِ 5 أشياء بسيطة تُسعد الشريك وتُحيي العلاقة.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أؤمن أن الحب الحقيقي يظهر في الأفعال اليومية الصغيرة، وليس فقط في المشاعر الكبيرة. العلاقة الناجحة تتطلب وعيًا، ونضجًا، والتزامًا حقيقيًا من الطرفين لمواجهة تحديات الحياة جنبًا إلى جنب. لذلك، أنصح كل زوجين أن يستثمرا في علاقتهما كما يستثمران في مستقبلهما الشخصي.
