تُعتبَر المعاناة من الم الظهر بعد الولادة من أبرز المشاكل التي تُعاني منها الأمّهات في الأسابيع والأشهر التي تلي الإنجاب. تظهر هذه الآلام بعد الولادة مباشرة أو قد تتطوّر تدريجيًا مع العناية اليومية بالمولود، بسبب تغيّرات جسدية كثيرة تراكمت خلال فترة الحمل، إضافةً إلى مجهود الولادة نفسه.
ومن خلال هذا المقال، سنتناول الأسباب الخفيّة التي لا تتوقّعينها أحيانًا وراء هذه الآلام، ثم ننتقل إلى عرض أبرز طرق الوقاية والعلاج السريع. سنوضّح أيضًا الفرق بين الشعور بالألم الطبيعي والمُقلق، ونختم بتقديم توصيات طبية وعملية تُساعدكِ على استعادة الراحة بسرعة وأمان. وذلك كي نساعدكِ في استعادة توازنكِ بعد الولادة.
التغيّرات الجسدية
في البداية، يجب أن نفهم أنّ المعاناة من الم الظهر بعد الولادة لا تظهر فجأة، بل هي نتيجة تغيّرات مستمرة حدثت خلال الحمل. من أبرز هذه التغيّرات:
- زيادة هرمون الريلاكسين: يُساعد هذا الهرمون على ارتخاء الأربطة استعدادًا للولادة، لكنه أيضًا يُضعف استقرار العمود الفقري، ما يُسبّب آلامًا حادة أو مستمرة.
- توسّع عضلات البطن: خلال الحمل، تتمدد عضلات البطن لتحتضن الرحم المتوسّع. بعد الولادة، تستغرق هذه العضلات وقتًا لتعود إلى وضعها الطبيعي، ما يُضعف دعم الجذع.
- تغيّر مركز الثقل: مع كبر البطن، تتغيّر وضعية العمود الفقري. وبعد الولادة، يحتاج الجسم وقتًا ليُعيد توازنه الطبيعي، وغالبًا ما يُعاني من ألم أسفل الظهر في هذه المرحلة.
- ضعف عضلات قاع الحوض: تؤثر الولادة الطبيعية أحيانًا على عضلات الحوض، وتزيد الضغط على الظهر.
العادات اليومية
إضافةً إلى التغيّرات الجسدية، فإنّ ممارسة العادات اليومية الخاطئة تُفاقم المشكلة. كثير من الأمهات لا يُدركنَ أنّ ممارسة تصرّفات بسيطة قد تؤذي الظهر من دون أن ينتبهنَ.
- حمل الطفل بطريقة خاطئة: عند حمل المولود بدون ثني الركبتين، يتركّز كلّ الضغط على أسفل الظهر.
- الرضاعة بوضعية غير مريحة: الجلوس ساعات طويلة مع انحناء الظهر يؤدّي إلى شد عضلي مؤلم.
- النوم المتقطع: قلة النوم تُضعف العضلات وتُزيد من التوتر الجسدي والعصبي.
- عدم ممارسة الرياضة بعد الولادة: قلة الحركة تؤخّر تعافي العضلات، وتُساهم في استمرار الشعور بالألم.
إذا تجاهلتِ هذه التفاصيل الصغيرة، فقد تتحوّل إلى مصدر ألم مزمن.
طرق فعّالة لتخفيف الم الظهر بعد الولادة
لحسن الحظ، هناك وسائل فعّالة يمكنكِ اتّباعها في المنزل للتخفيف من هذا الألم واستعادة راحتكِ بسرعة:
- التمارين اللطيفة: مثل تمارين كيجل وتمارين تقوية عضلات الظهر والبطن السفلية. يُفضَّل البدء بها بعد استشارة طبيبكِ، خصوصًا بعد الولادة القيصرية.
- العلاج الطبيعي: يُعيد الخضوع لجلسات العلاج الطبيعي التوازن للعضلات وتُحسّن من مرونتكِ. يُنصح بها في الحالات التي لا تتحسّن بعد مرور 6 أسابيع.
- الحرارة والبرودة: إنّ وضع كمادات دافئة أو باردة على منطقة الألم يُخفّف من الالتهاب ويُريح العضلات.
- تحسين وضعية النوم: يُنصح باستخدام وسادة بين الركبتين عند النوم على الجانب لتخفيف الضغط عن الظهر.
- الاهتمام بالراحة النفسية: يُسبّب الشعور بالتوتر شدًا عضليًا، لذا خذي وقتًا للاسترخاء، حتى لبضع دقائق يوميًا.
متى يجب زيارة الطبيب؟
رغم أنّ معظم حالات الم الظهر بعد الولادة تزول تدريجيًا، إلا أنّ هناك علامات تستدعي استشارة طبيب:
- استمرار الألم لأكثر من 3 أشهر دون تحسّن
- ألم يرافقه شعور بالخدر أو تنميل في الساقين
- ألم حاد يمنعكِ من أداء المهام اليومية
- وجود حرارة أو تورّم في الظهر
في هذه الحالات، قد يُجري الطبيب فحوصات لتحديد السبب بدقّة، مثل فحص الانزلاق الغضروفي أو التهابات المفاصل.
نصائح يومية للوقاية وتسريع التعافي
لتحسين وضعكِ وتسريع الشفاء، جرّبي هذه النصائح العملية:
- ارفعي الطفل من مستوى الخصر وليس من الأرض مباشرة
- استخدمي وسادة رضاعة لتقليل الضغط على الكتفين
- تحرّكي كلّ ساعة على الأقل داخل المنزل لتفادي تيبّس العضلات
- أدخلي البروتينات والكالسيوم في نظامكِ الغذائي لدعم العظام
- اطلبي المساعدة من الزوج أو العائلة في المهام المنزلية
بهذه التعديلات البسيطة، يمكنكِ تجنّب الألم المزمن وعيش تجربة أمومة أكثر راحة.
الخلاصة
لا يُعَدّ الم الظهر بعد الولادة مجرد شعور عابر بالتعب، بل إشارة من جسمكِ أنّه يحتاج للرعاية والاهتمام. من خلال الفهم العميق لأسبابه، والحرص على العادات الصحية، يمكنكِ استعادة قوتكِ الجسدية والذهنية.
صحتكِ لا تقلّ أهمية عن صحة مولودكِ. تذكّري دائمًا أن العناية بنفسكِ تمنحكِ طاقة أكبر لرعاية طفلكِ. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وعرضنا لكِ خطة التعافي السريعة بعد الولادة القيصرية.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ المعاناة من الم الظهر بعد الولادة لا يجب أن تُعتبر طبيعيّة أو محتومة. الكثير من الأمهات يُعانين بصمت من دون أن يطلبن المساعدة، إما خوفًا أو تجاهلًا للوجع. أنا أنصح كل امرأة أن تستمع لجسدها بوعي وبجديّة، وأن تُبادر بالخضوع للعلاج المبكّر مهما كان بسيطًا. لا تنتظري أن يتحوّل الشعور بالتعب إلى ألم مزمن يصعب التخلّص منه. دلّلي نفسكِ، واستعيني بخبراء، وامنحي ظهركِ ما يستحقه من شعور براحة وعناية.
