بدأ التعرّف على سبب تساقط الشعر عند الأطفال يُثير الكثير من علامات الاستفهام بين الأمهات في السنوات الأخيرة. لاحظتِ ربما أن شعر صغيركِ لم يعد كثيفًا كما كان، أو أنه بدأ يتساقط بكثافة على الوسادة أو أثناء الاستحمام. قد يبدو هذا العارض بسيطًا في البداية، لكنه قد يُشير إلى وجود مشاكل أعمق يجب اكتشافها ومعالجتها بسرعة، أهمّها الإصابة بثعلبة الشعر.
نُسلّط الضوء في هذا المقال على أبرز الأسباب العلمية لتساقط الشعر عند الأطفال، ونكشف لكِ العوامل الوراثية، النفسية، والمناعية التي قد تساهم في هذه الحال. كما نقدّم خطوات فعّالة لمواجهة هذه المشكلة قبل أن تتفاقم.
ظهرت التغيرات الهرمونية فجأة؟ افهمي علاقتها بالشعر
تُسبّب التغيرات الهرمونية في جسم الطفل أحيانًا اضطرابًا في دورة نمو الشعر. يبدأ الجسم بإفراز هرمونات معينة في مراحل عمرية دقيقة مثل بداية البلوغ أو حتى في حالات النمو المتسارع. تؤكد الأكاديمية الأمريكية للأمراض الجلدية (AAD) أنّ الخلل في الهرمونات يمكن أن يؤثر مباشرة على بصيلات الشعر ويُقلّل من نموه الطبيعي.

لاحظت الدراسات أنّ نقص هرمون الغدة الدرقية تحديدًا (قصور الدرق) يُعدّ من أبرز أسباب تساقط الشعر لدى الأطفال. كما تُشير بعض الحالات إلى وجود خلل في هرمونات الغدة الكظرية، مما يؤدي إلى تساقط غير متجانس في فروة الرأس.
ظهر الصلع في بقع؟ تحقّقي من الفطريات
تُهاجم الفطريات أحيانًا فروة رأس الطفل وتُسبّب تساقطًا واضحًا في شكل بقع دائرية خالية من الشعر. يُسمّى هذا النوع بـ”سعفة الرأس” (Tinea Capitis)، ويُعدّ شائعًا بين الأطفال في عمر المدرسة.
رصدت دراسة نُشرت في Journal of Pediatric Dermatology أنّ هذه العدوى تُصيب الأطفال بسبب مشاركة الأغراض الشخصية مثل المشط أو القبعات، خصوصًا في البيئات المزدحمة. تبدأ العوارض عادةً بحكّة واحمرار، ثم يظهر تساقط في شكل دوائر صلعاء.
ينصح الأطباء دائمًا بعلاج هذه العدوى سريعًا بمضادات الفطريات لتجنّب الانتشار وعودة الشعر للنمو السليم.
تأثّر نفسيّة الطفل؟ لا تهملي العامل النفسي
ساهمت الضغوط النفسية، خاصّةً عند الأطفال الحساسين، في ظهور حالات تساقط شعر مفاجئة. يُعرف هذا النوع باسم “الثعلبة النفسية” أو “النتف القهري للشعر” (Trichotillomania). يبدأ الطفل بشدّ شعره من دون وعي، ونتيجة الشعور بالقلق، والتوتر، أو حتى الشعور بالإهمال.

كشفت دراسة نُشرت في Clinical Child Psychology and Psychiatry أنّ هذا السلوك يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمشاكل في البيئة المدرسية أو العائلية، ويظهر أكثر بين سنّ 6 و12 عامًا. يتطلب العلاج دعمًا نفسيًا مباشرًا، بالإضافة إلى تعزيز الشعور بالأمان والثقة لدى الطفل.
نقص العناصر الغذائية؟ انتبهي لغذائه اليومي
أدّى نقص الحديد والزنك وفيتامين D عند الأطفال إلى تساقط ملحوظ في الشعر، حسب ما جاء في دراسة نُشرت بمجلة International Journal of Trichology. يؤثر سوء التغذية مباشرةً على صحة فروة الرأس، ويُضعف بنية الشعرة من الجذر.
قلّلي من الوجبات الجاهزة، وقدّمي له أطعمة غنيّة بالبروتين، والخضار الورقية، والبيض، والمكسرات النيئة. كما يمكنكِ استشارة طبيب أطفال لفحص نسب الفيتامينات والمعادن في جسمه والتأكّد من عدم وجود أنيميا.
ظهر التساقط بعد الإصابة بفيروس؟ افحصي جهازه المناعي
لاحظت الأبحاث الحديثة أنّ بعض أنواع الفيروسات، مثل الإنفلونزا أو فيروس كورونا، قد تُسبّب تساقطًا موقتًا في الشعر بعد الشفاء. يُسمّى هذا النوع “تساقط الشعر الكربي” (Telogen Effluvium)، ويظهر عادة بعد أسابيع من تعافي الطفل من المرض.

يؤدي الضغط الذي يتعرّض له الجسم أثناء محاربة الفيروسات إلى إدخال بصيلات الشعر في مرحلة الراحة، مما يُنتج تساقطًا مؤقتًا. تعود البصيلات للنمو عادة بعد أشهر من تلقاء نفسها، شرط أن يحصل الطفل على راحة وتغذية جيدة.
الخلاصة
تتعدّد أسباب تساقط الشعر عند الأطفال، بين ما هو نفسي، وما هو هرموني أو مناعي. ويُعتبر الشعر مرآة صحية، تعكس التوازن الداخلي في جسم صغيركِ. لا تهملي أي علامة بسيطة، وراقبي دائمًا سلوك طفلكِ، وعاداته الغذائية، وتطوراته الجسدية.
زوري الطبيب فورًا عند ملاحظة تساقط مفاجئ أو مستمر، واطلبي إجراء تحاليل الدم والغدة الدرقية، وفحوصات فروة الرأس عند الحاجة. كلما أسرعتِ في التشخيص، زادت فرصة تعافي الطفل وعودة شعره إلى كثافته الطبيعية. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن كيفية التخلص من الشعر الزائد عند الاطفال البنات.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أجد أنّ وعي الأم وتفاعلها المبكر مع التغيّرات الجسدية عند طفلها يشكّل حجر الأساس في الوقاية من مضاعفات صحية كثيرة قد لا تظهر بوضوح في بدايتها. فعندما يبدأ الشعر بالتساقط، لا يكون ذلك مجرّد مشكلة جمالية، بل قد يكون مؤشرًا على نقص غذائي، أو خلل هرموني، أو حتى معاناة نفسية يمرّ بها الطفل في صمت. لذلك، أرى أنّ دور الأم لا يقتصر فقط على ملاحظة ما يظهر للعين، بل يجب أن يتجاوز ذلك إلى سؤال الطفل، ومراقبة عاداته، واللجوء إلى التحاليل أو الاستشارات الطبية عند الحاجة. فكل شعرة تتساقط قد تكون رسالة من جسم صغيركِ يطلب بها المساعدة.