تطرح كثيرات سؤالًا جوهريًا: متى تتوقف المراة عن الإنجاب؟ يفرض هذا السؤال نفسه مع تقدّم العمر، وتبدّل الإشارات الجسدية، وتقلب التوازن الهرموني. لا يعود الحمل ممكنًا في أي وقت، بل تقيّده عوامل بيولوجية تتقدّم بثبات، وتظهر على شكل علامات تحذيرية لا يمكن تجاهلها. وأبرزها ظهور علامات انقطاع الطمث.
في هذا المقال، نعرض المؤشرات التي تدلّ على اقتراب توقف القدرة الإنجابية، ونشرح الأسباب العلمية وراء ذلك، ونكشف الحقائق المستندة إلى دراسات موثوقة. سنتناول أيضًا بعض التحاليل الطبية، والعوامل التي تؤثر على توقيت هذه المرحلة لدى كل امرأة، لنساعدكِ على فهم ما يدور داخل جسمكِ بثقة ووعي.
يبدأ التراجع الهرموني في الثلاثينيات
يبدأ الجسم بخفض إنتاج الهرمونات الأنثوية تدريجيًا. ينخفض هرمون الإستروجين والبروجستيرون ابتداءً من منتصف الثلاثينيات. يؤثّر هذا الانخفاض مباشرة على نضوج البويضات وجودتها. وفقًا لدراسة نُشرت في Journal of Clinical Endocrinology & Metabolism، تنخفض فرص الحمل بنسبة 50% عند النساء بين 35 و39 عامًا مقارنةً بمن هنّ تحت سن الـ30.

يرافق هذا التراجع تقصير في فترة الطمث أو غياب الإباضة في بعض الدورات. ومع الوقت، تزداد صعوبة الحمل طبيعيًا. تظهر هنا أولى إشارات التراجع الإنجابي، وتشير بوضوح إلى أنّ الخصوبة دخلت مرحلة الهبوط.
تتأثر البويضات بالعمر والجودة
يتراجع مخزون البويضات تدريجيًا منذ الولادة. تولد المرأة بملايين البويضات، لكن العدد ينخفض ليصل إلى نحو 25,000 فقط عند عمر 37. مع تقدم العمر، لا ينخفض العدد فحسب، بل تتراجع الجودة أيضًا، ما يزيد من احتمالية التشوهات الوراثية أو الفشل في الانغراس داخل الرحم.
تشير أبحاث نُشرت في Human Reproduction Update إلى أنّ نسبة البويضات السليمة تنخفض إلى أقل من 10% بعد سن الأربعين، مما يفسّر صعوبة الحمل أو ارتفاع خطر الإجهاض. عندما تسوء جودة البويضات، وتضعف فرص الإنجاب، ويقترب الجسم من التوقف الطبيعي عن الحمل.
يسبق انقطاع الطمث سنوات من التغيرات
لا يحدث توقف الإنجاب فجأة. تبدأ المرحلة الانتقالية التي تُعرف باسم ما قبل انقطاع الطمث أو Perimenopause، قبل الانقطاع الكامل بعدة سنوات. خلال هذه الفترة، تبدأ الدورة الشهرية بالتقلب، فتتكرر أحيانًا أو تغيب فجأة، وترافقها عوارض أخرى كالهبات الساخنة، وتغير المزاج، وجفاف المهبل.

تشير دراسة من North American Menopause Society إلى أنّ هذه المرحلة تبدأ عادةً بين سن 45 و55، وتستمر من 4 إلى 8 سنوات. خلال هذه المرحلة، تصبح القدرة على الإنجاب ضئيلة للغاية رغم احتمال التبويض المتقطع، ما يعني أنّ بعض النساء قد يحملن خلال هذه الفترة، ولكن بنسب ضئيلة للغاية.
تشير فحوص الدم إلى توقف الخصوبة
يساعد إجراء الفحوصات الطبية في تأكيد التغييرات الهرمونية. يُعد تحليل هرمون FSH (الهرمون المنشّط للجريب) مؤشرًا مباشرًا على اقتراب نهاية الخصوبة. عندما يرتفع هذا الهرمون فوق 30 mIU/mL، تصبح فرصة الحمل شبه معدومة، ويُعتبَر ذلك أحد الأدلة العلمية على أن المرأة توقفت عن الإنجاب.
يرتفع أيضًا هرمون LH، بينما ينخفض هرمون AMH (الهرمون المضاد لمولر)، الذي يُستخدَم لتقييم مخزون المبيض. يشير انخفاض AMH إلى تناقص البويضات المتبقية. تُعطي هذه التحاليل صورة واضحة ومبكّرة، وتسمح باتخاذ قرارات دقيقة. خاصّةً لمن تفكر في تجميد البويضات أو الحمل بمساعدة طبية.
تؤثر العوامل الوراثية ونمط الحياة
يؤدّي العامل الوراثي دورًا أساسيًا في توقيت توقف الإنجاب. إذا توقفت والدتكِ عن الإنجاب مبكرًا، قد تمرّين بالتجربة نفسها في العمر ذاته. يُضاف إلى ذلك عوامل مثل التدخين، والنظام الغذائي السيئ، والشعور بالتوتر المزمن، كلّها تسرّع من فشل المبيض المبكر.

بحسب دراسة من جامعة Harvard Medical School، يؤدي التدخين إلى تقصير فترة الخصوبة بحوالي ثلاث سنوات، بينما يُحافظ النشاط البدني المعتدل والغذاء الصحي على وظيفة المبيض لفترة أطول. إذًا، يمكن للعوامل الخارجية أن تسرّع أو تؤخر الإجابة على سؤال: متى تتوقف المراة عن الإنجاب؟
هل يمكن الحمل بعد الأربعين؟
يمكن، لكن بصعوبة. بعد سن الأربعين، تقل فرص الحمل الطبيعي بنسبة كبيرة. تضطر كثيرات إلى اللجوء لتقنيات مثل الإخصاب خارج الرحم (IVF)، أو الحقن المجهري، والتلقيح الصناعي. ومع ذلك، تنخفض نسب النجاح مع كل سنة إضافية من العمر.
أكّدت دراسة من American Society for Reproductive Medicine أنّ معدّل نجاح التلقيح الاصطناعي بعد سن 42 لا يتجاوز 5% باستخدام البويضات الذاتية. ويزداد النجاح فقط باستخدام بويضات مانحة. من هنا، يصبح من الضروري فهم الواقع البيولوجي واتخاذ قرارات سريعة إذا كانت الرغبة بالإنجاب موجودة.
الخلاصة
تعود الإجابة على سؤال متى تتوقف المراة عن الإنجاب؟ إلى عوامل متعددة. يتقدّم العمر، وتنخفض الهرمونات، وتتراجع جودة البويضات، وتبدأ الدورة الشهرية بالتقلب حتى الانقطاع النهائي. كلّ مرحلة تحمل مؤشرات بيولوجية واضحة، يمكن متابعتها وتحليلها بدقة.
مع التقدّم في العلم، أصبحت المرأة قادرة على تتبّع خصوبتها عبر الفحوص والتحاليل الدقيقة. ورغم أنّ التوقف عن الإنجاب يعدّ مرحلة طبيعية في حياة كلّ امرأة، فإنّ فهم المؤشرات مبكرًا يُشكّل خطوة ذكية نحو التخطيط السليم للأمومة والصحة الإنجابية. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن تجربة الحمل بعد الأربعين.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ وعي المرأة بجسدها هو الخطوة الأولى في امتلاك زمام خياراتها. لا يجب أن تنتظر الصدفة لتكتشف أنها لم تعد قادرة على الإنجاب، بل أن تبدأ بمراقبة إشارات جسمها، وتجري الفحوص اللازمة، وتستشير المختصين في الوقت المناسب. كلّ امرأة تستحق أن تعرف متى وأين ينتهي طريق الخصوبة، لتبدأ طريقًا جديدًا بثقة، وبدون ندم.