تمرّ كلّ عائلة في مرحلة يجد خلالها الأهل أنفسهم غير قادرين على فهم سلوك أولادهم بعد الآن. إذ تظهر فجأة هوّة كبيرة بينهم وبين وأولادهم، فيشعر الأهل أنّهم يفقدون السيطرة على أولادهم وكلمّا حاولوا أن يستعيدوا سيطرتهم، اتسّعت الهوّة بينهم. لذا، أيّها الأهل يجب أن تتوقفوا عن القلق، فهذا لا يعني أنّكم تقترفون خطأ إلاّ في حال خرج أولادكم عن سيطرتكم.
للمزيد: أعراض الاكتئاب الشديد عند المراهقين
إسمحوا لي أن أشرح لكم ما يحصل فعلاً لكي تفهموا الوضع وتتعاملوا بشكل أفضل مع أولادكم المراهقين. تبدأ مرحلة المراهقة في أعمار مختلفة حسب كلّ شخص، ولكن بشكل عامّ، تبدأ في سنّ الاثني عشر وتستمرّ لغاية الثامنة عشر. يمرّ أطفالكم في مرحلة انتقالية تصاحبها تغييرات جسدية ونفسية بينما أنتم لا تزالون تتّبعون الروتين اليومي في تربيتهم كـ"أطفال". وهنا يقع الصراع! فإنّهم ليسوا "أطفالاً" بعد الآن، لذلك يبدأون بالمطالبة باستقلاليتهم من خلال تحدّي أهلهم لأنّها أفضل طريقة يعرفونها. وتسمّى سنوات المراهقة بمرحلة نموّ المراهق.
ففي هذه المرحلة بالذات، يختبر المراهق تغييرات تطال جسده وهرموناته ومزاجه. فيبدأ الحيض أو الدورة الشهرية عند الفتيات ويتغيّر الصوت عند الفتيان كما يختبر كلاهما أوّل علامات ظهور شعر العانة الذي قد يكون محرجًا ومربكًا لكليهما في الوقت نفسه. وهنا تستيقظ لديهم الرغبة الجنسية ويجدون أنفسهم منجذبين الى الجنس الآخر وتملأهم الرغبة والأحساسيس الجنسية التي يجهلون كيفية شرحها والتعامل معها في هذه الفترة ممّا يسببّ لهم الكثير من القلق.
أمّا على الصعيد النفسي، فيميلون الى الاستقلالية والتحرّر من أهلهم ويطالبون بمعاملتهم مثل الكبار وليس مثل الأطفال. وتشهد هذه المرحلة أيضًا تجارب وأزمة الهوية ومشاكل اجتماعية عند المراهقين إذ يشعرون أنّهم تحت تأثير الضغط وبحاجة ماسّة الى الانسجام في المجتمع. وينشأ صراع بين الأهل والمراهق عندما لا يعترف الأهل بأنّ ابنهم لم يعد طفلاً ويستمرّون باستعمال الأسلوب نفسه في تربيته. في هذه الحالة، يتحملّ الأهل كامل المسؤولية، لذلك يجب أن يقوموا بالعمل كلّه. يجب أن تستوعبي أنّ ابنك يحاول أن يكوّن هويتّه الخاصة المنفصلة عنك وحتّى المختلفة عن تلك التي تريدينه أن يكوّنها. لذا، من خلال الحوار الصريح بينكما والاستماع إليه وتقبلّ التغيير الذي يحدث مع ابنك ستساعدينه على اجتياز هذه المرحلة الانتقالية بكلّ سهولة وسلاسة لأنّها أصعب مرحلة يمرّ بها الانسان في حياته. فهذا لا يعني أنّه يجب ألاّ تفرضي عليه الانضباط أو تلغي النظام والقواعد بل يعني أنّك يجب أن تُغيريها لكي تتناسب مع عمره وسلوكه. إسمحي له أن يختبر هذه المرحلة بشكل سليم، فهذا حقّه وإن رأى أنّك تحترمين الشخص الذي أصبح عليه وأنّك تسمحين بحوار صريح بين أفراد العائلة وهناك تفاهم بينكما من دون إصدار أحكام، فستجدين أنّ الهوّة بينك وبين ابنك المراهق تقلّصت.
لكلّ الأهل الذين لديهم أبناء مراهقين أو لهؤلاء الذين سيدخل أبناءهم قريبًا في سنّ المراهقة، أنصحكم بأن تطالعوا كثيرًا عن مرحلة المراهقة لكي تختبرونها بشكل أفضل مع أولادكم وتقلّصوا الصراع بينكم وتخفّفوا الضرر الذي قد يؤثّر على شخصية أولادكم ومن الممكن أن يحملونه معهم الى مرحلة البلوغ.