ابدئي بالتفكير كم تؤثر اللحظات الصغيرة في ذاكرة الأم. لا يقتصر دعم الأب وقت الحمل والولادة على قول الكلمات، بل يتجسّد في المواقف، والتفاصيل، والمشاركة الفعلية في كل خطوة. تشعر المرأة بالأمان العاطفي حين يشاركها زوجها هذه المرحلة الحساسة، ويمنحها دعمه الكامل جسديًّا ونفسيًّا. يتغيّر كل شيء حين تعرف أن من تحبّه بجانبها، ويسمعها، ويشعر بتعبها، ويساندها بدون أن تطلب.
نعرض في هذا المقال، كيف يظهر دعم الأب في مراحل الحمل والولادة، ونُفصّل الأفعال التي تبقى في قلب الأم لسنوات. نشرح دور الشريك في بناء تجربة ولادة آمنة ومريحة نفسيًا، ونستعرض مواقف لا تُنسى تجعل الأم تشعر أنها ليست وحدها في هذه الرحلة.
قدّم الكلمة الطيبة وشارك بالاستماع
ابدأ كل تواصل بالكلمة الطيبة. اسألها عن حالها يوميًا، واستمع بهمّة، واحتوِ مشاعرها مهما كانت بسيطة أو متقلّبة. تحتاج المرأة أثناء الحمل إلى من يسمعها أكثر مما تحتاج إلى من يوجّهها. دعها تعبّر، وامنحها شعور الراحة النفسية في وجودك.

ردّد عبارات تشجيعية تمنحها شعورًا بالقوة: “أنا معكِ”، و”أنتِ قادرة”، و”أنا فخور بكِ”. لا تستخفّ بتأثير هذه الكلمات، لأنها تسكن في قلبها وتُسهم في تهدئة قلقها الداخلي.
رافقها في الخطوات اليومية
رافقها في زيارات الطبيب. احمل حقيبة التحاليل معها، واسأل عن تطورات الحمل وكن حريصًا على فهم ما تمرّ به. تُشعرها هذه المشاركة بالأمان، وتؤكد أنكَ لا تنتظر مجرّد لحظة الولادة، بل تواكب مراحل الرحلة بأكملها.
ادعمها بأفعال بسيطة: حضّر مشروبًا دافئًا، ورتّب غرفة نومها، أو تابع معها مراحل نمو الجنين. تزرع هذه التفاصيل شعورًا عميقًا بالحب، وتؤسّس لثقة أقوى بين الزوجين.
تواجد معها في اللحظة الحاسمة
احرص على التواجد بجانبها أثناء الولادة إن استطعت. لا تتردد، ولا تخف من مشهد الألم. وجودك وحده يمنحها الشعور بقوّة نفسية. أمسك يدها، وانظر في عينيها، وكن السند الذي تنتظره. ستبقى هذه اللحظة محفورة في قلبها، مهما طال الزمن.

في حال لم تتمكن من الدخول لغرفة الولادة، انتظر قرب الباب، وابقَ على تواصل معها، وأرسل لها دعاءً أو رسالة طمأنينة. يكفي أن تعرف أنّك قريب منها، لتشعر بالطمأنينة.
شاركها أيام ما بعد الولادة
تابِع الوقوف إلى جانبها بعد الولادة، وكن حاضرًا في تفاصيل تلك الأيام الدقيقة. لا تجعلها تواجه مسؤوليات الطفل بمفردها، بل شاركها بالعناية، كأن تُحضّر زجاجة الحليب أو تُبدّل الحفاض حين تستطيع. حُرصك على راحتها قد يبدأ بتخفيف الضجيج من حولها، والحد من استقبال الزيارات المرهقة، وتوفير لحظات هدوء تحتاجها بعمق.

لاحظ حالها النفسيّة بحسّ عالٍ من اللطف، وكن واعيًا للتقلبات التي قد تمرّ بها. لا تنتقد، ولا تُقلل من شأن مشاعرها. أحيانًا، نظرة متفهّمة أو ابتسامة صادقة قد تُشعرها بالأمان أكثر من أي كلام. وجودك الصامت والمطمئن وحده كافٍ ليمنحها الشعور بأنها ليست وحدها
اجعل دعمك لها عادة لا مرحلة
حوّل تقديم دعمك لزوجتك إلى أسلوب حياة. لا تحصره بالحمل والولادة، واستخدم هذه المرحلة لبناء علاقة متينة أساسها المشاركة، والتفاهم، والحنان المستمر. اسأل عن مشاعرها حتى بعد شهور من الولادة، وذكّرها بأنها ما زالت جميلة وقويّة رغم شعورها بالتعب.
استمر في قول: “أنا معكِ”، و”أنا أراكِ”، و”أشعر بتعبكِ”. تمنحها هذه الجمل طاقة داخلية لا يعرفها سواها. لا تنسى الأم أبدًا مَن وقف إلى جانبها في لحظات الانكسار. تبقى تلك المواقف محفورة في قلبها، مهما مرّ الزمن.
حين تصبح التفاصيل البسيطة دعمًا حقيقيًا
يتجلّى دعم الأب وقت الحمل والولادة في أبسط التصرفات التي قد تبدو غير ملحوظة، لكنها تترك في قلب المرأة أثرًا عميقًا. حين يُشارك الرجل في تحضير حقيبة الولادة، أو يحفظ موعد زيارة الطبيب، أو يضع يده على كتف زوجته في غرفة الانتظار، فإنّه يقول بدون كلمات: “أنا معكِ”. لا يحتاج هذا النوع من المشاركة إلى القيام بخطب طويلة، بل إلى حسّ بتحمّل المسؤولية، ورغبة صادقة في أن يكون شريكًا حقيقيًا في هذه التجربة. تصبح كل حركة صغيرة جزءًا من قصة دعم لن تنساها الأم، مهما طال الزمن.
مشاركة المشاعر تخلق رابطًا لا يُنسى
يتحوّل دعم الأب وقت الحمل والولادة إلى رابط عاطفي قوي عندما يُشارك الرجل مشاعر زوجته بصدق. حين يُنصت لها وهي تعبّر عن مخاوفها من الولادة، أو يُشعرها أن دموعها ليست ضعفًا بل قوّة، فإنّه يمنحها أمانًا نفسيًا لا يُقدّر بثمن. لا تحتاج هذه المشاركة العاطفية قول كلمات كثيرة، بل إلى نظرة صادقة، ولمسة مطمئنة، وحضور دافئ يشعرها أنها ليست وحدها في هذه الرحلة المتقلّبة. هكذا يُبنى التفاهم الحقيقي بين الشريكين، وتبدأ الأمومة والأبوة من لحظة التواطؤ الجميل في المشاعر.
يُجسّد دعم الأب وقت الحمل والولادة أجمل أشكال التلاحم العاطفي بين الزوجين. لا يتعلّق الأمر فقط بالوجود الجسدي، بل بالاحتواء، والاهتمام الصادق، وبمشاركة شعور الأم في كل لحظة تشعر بها بضعف أو خوف. حين يتواجد الأب بروحه ووعيه، تتحوّل تجربة الولادة من رحلة مرهقة إلى مغامرة مشتركة تخلّد في الذاكرة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن العلامات التي تؤكّد أنّكِ تعانين من الفراغ العاطفي.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أؤمن أنّ الرجل الذي يقف بجانب زوجته خلال الحمل والولادة، لا يُقدّم فقط دعمًا عابرًا، بل يزرع بذور الشعور بالثقة والشراكة لسنوات قادمة. لا يُقاس حضور الأب في تلك اللحظات الحساسة بالكلمات، بل بالأثر العاطفي الذي لا يمحوه الزمن.