صدق الشاعر القائل: "الأم مدرسة إذا أعددتها أعددتَ شعباً طيّب الأعراق"؛ فهي المدرسة الأولى، والصديقة، والقدوة التي نحتذي بها، ولكن هل يعني ذلك أن نصبح نسخة عنها؟
نعم، الأمومة هي مسؤولية كبيرة حتى يُشار لها بالوظيفة الأصعب في العالم، ولم أدرك ذلك إلى أن أصبحت أماً؛ حينها فقط أدركت كم أنّها مسؤولية عظيمة! ورغم فهمي السبب الذي كان يدفع أمي إلى إخباري كل شيء إلّا أني تمنيت ولو أنها لم تعتبرني صديقتها إلى تلك الدرجة!
لم تكن علاقتي بأمي مجرّد علاقة أم بابنتها إنّما كانت أشبه بعلاقة أي صديقتين تتشاركان همومهما ومشاكلهما. تزوّجت أمي وهي لم تتجاوز الـ14 عاماً، وقاست الكثير نتيجة زواجها في سنٍّ مبكرة، وهو ما جعلها تخبرني كل شيء حتى أسرارها، اعتقاداً منها أنّها بذلك تحميني وتساعدني على مواجهة الحياة وصعوباتها.
كانت تشتكي دائماً من تصرفات جدتي السيئة ومحاولاتها الدائمة للتدخل في أمورها الشخصية وعلاقتها بوالدي. كما كانت لديها صورة مشوّهة عن الرجال ومن بينهم أبي الذي لم أعد أعرف أي مشاعر أكنّ له! صحيحٌ أنّها كانت تخبرني كل ذلك لحمايتي من التجارب القاسية التي اختبرتها لئلا أمرّ بها إلّا أنّها لم تدرك أنّها جعلتني أعيشها بشكلٍ غير مباشر حيث نقلت لي أفكارها ومشاعرها السلبية وجعلتني أنظر إلى الحياة من خلال عينيها وليس عيني!
أمّي، أدرك كم صعب ما مررت به وأنّ كل ما كنت تريدينه هو حمايتي حيث كنت تقولين دائماً: "تعلّمي من تجاربي لئلا تقعي في أخطائي نفسها"، ولكن يا ليتك سمحت باختباري الحياة كما أرغب ولم تؤثري على نظرتي للأمور وتجعليني نسخة عنك!