كيف ابتعد عن شخص تعلقت به؟ سؤال تواجهه نساء كثيرات بعدما تنتهي علاقة مؤثرة في حياتهن. قد يكون الانفصال مؤلمًا، لكن الأصعب هو الانفصال عن شخص أصبح جزءًا من تفاصيل يومك، وأفكارك، وعواطفك. التعلّق ليس مجرد حب، بل هو ارتباط نفسي عميق، يتغلغل في العقل والعاطفة. في لحظة الابتعاد، لا تختفي المشاعر فجأة، بل تبقى معلقة، وتُضعف قدرتك على المُضيّ قدمًا. وهذا ما يُبرز الفرق بين التعلق والحب.
في هذا المقال، سنكشف لكِ كيف تواجهين هذه التجربة بقوة ووعي. سنتناول أولًا مفهوم التعلّق من الناحية النفسية. ثم ننتقل إلى الخطوات الفعلية التي تساعدك على الابتعاد من دون الانهيار. بعد ذلك، نعرض أهم السلوكيات التي يجب تجنبها، ونختم بخطوة واحدة تُحدث الفارق الحقيقي في تعافيك.
ما هو التعلّق ولماذا يصعب الابتعاد؟
في البداية، من المهم أن تفهمي ما هو التعلّق. التعلّق العاطفي هو حال نفسية تنشأ عندما تشعرين بأن سعادتك مرتبطة بشخص معين. هذا الارتباط العاطفي العميق يجعل عقلك يربط وجودكِ واستقراركِ به. ومع مرور الوقت، تصبحين أقل استقلالية من الناحية النفسية.

بحسب دراسات علم النفس العصبي، يعمل الدماغ على إفراز هرمونات مثل “الدوبامين” و”الأوكسيتوسين” خلال العلاقة العاطفية، ممّا يعزز الشعور بالمكافأة والارتياح. عند الانفصال، يتوقف تدفق هذه المواد الكيميائية، فيشعر الجسم بالفراغ والانسحاب، كما يحدث عند الإقلاع عن الإدمان. لذلك، كيف ابتعد عن شخص تعلقت به؟ يبدأ أولًا بفهم هذه الآلية، والإدراك أن الألم ليس ضعفًا، بل استجابة طبيعية لحال كيميائية ونفسية.
توقفي عن مقاومة المشاعر
حين تتساءلين: كيف ابتعد عن شخص تعلقت به؟ عليكِ أولًا أن تتوقفي عن محاربة مشاعرك. لا تحاولي التظاهر بالقوة الزائفة، ولا تكبتي حزنكِ أو خيبتكِ. اسمحي لنفسك بالبكاء، والحزن، والضعف. فالمشاعر المكبوتة لا تختفي، بل تتراكم وتنفجر لاحقًا بشكل مؤذٍ.
خصصي وقتًا للتعبير عن مشاعركِ. اكتبي ما تشعرين به في دفتر. تحدثي مع صديقة تثقين بها. مارسي التأمل أو التنفس العميق. هذه الوسائل تساعدكِ على إخراج الألم بدل دفنه. وكلما واجهتِ حزنكِ بشجاعة، كلما شعرتِ بتحسّن تدريجي في الداخل.
اقطعي التواصل بكل أشكاله
من أكثر الخطوات صعوبة، ولكنها ضرورية، هي قطع كل وسائل التواصل. نعم، حتى لو شعرتِ بالذنب أو التردد. لأن كل مرة تتواصلين فيها معه، تعودين خطوة إلى الوراء. لا تنخدعي بالرغبة في “الاطمئنان فقط”. قد يبرر عقلك التواصل، لكن قلبك سيدفع الثمن.

احذفي رقمه، وأزيلي الصور، وتوقفي عن تتبّع أخباره على وسائل التواصل. بحسب دراسة في جامعة ستانفورد، فإن تقليل التعرض لمثيرات العلاقة السابقة يسرّع من عملية الشفاء العاطفي بنسبة 30%. بمعنى آخر، كل تواصل بسيط قد يعيق تقدّمكِ لأسابيع. إذًا، كيف ابتعد عن شخص تعلقت به؟ عبر عزل المصدر الذي يذكّرك به، حتى يهدأ داخلك تدريجيًا.
املئي الفراغ واستعيني بروتين جديد وحياة مختلفة
بعد قطع التواصل، سيظهر الفراغ. لا تهربي منه، بل املئيه بأشياء تبنيكِ من جديد. ضعي روتينًا صباحيًا خاصًا بكِ. خصّصي وقتًا لممارسة الرياضة أو المشي. سجّلي في دورة تدريبية تحفّزكِ. تواصلي مع عائلتكِ وأصدقائكِ الحقيقيين.
اكتشاف هواية جديدة، أو تطوير مهارة قديمة، يغيّر طاقتكِ الداخلية. وقد أثبتت دراسة نُشرت في Journal of Positive Psychology أن ممارسة النشاطات الإبداعية المنتظمة تقلل من مستويات القلق والتفكير المفرط بنسبة 45%. لذلك، ابدأي بتحويل الألم إلى طاقة مفيدة، وراقبي التحول يحدث في شخصيتكِ.
الخطوة الحاسمة
في كثير من الأحيان، نفقد أنفسنا داخل العلاقة. نربط قيمتنا بوجود الطرف الآخر، ونقيس سعادتنا وفقًا لاهتمامه أو قبوله لنا. عند الانفصال، تصبح صورتنا الذاتية مشوشة. هنا تكمن الخطوة التي تنقذك فعلًا من الانهيار.

ابدئي بإعادة تعريف ذاتكِ. اكتبي لائحة بصفاتكِ القوية. تذكّري إنجازاتكِ الشخصية. ضعي أهدافًا صغيرة، واحتفلي بتحقيقها. ابحثي عن صوتكِ الداخلي، وأعيدي التواصل مع أحلامكِ التي نسيتها أثناء العلاقة.
العلاج النفسي أيضًا خيار فعّال جدًا في هذه المرحلة. يساعدكِ على تفكيك مشاعر التعلّق، وفهم الجذور العميقة لها. وفقًا للجمعية الأمريكية لعلم النفس (APA)، فإن العلاج المعرفي السلوكي (CBT) يعتبر من أكثر الوسائل فعالية في تقليل التفكير الزائد المتعلق بالشريك السابق.
الخلاصة
الابتعاد عن شخص تعلقتِ به ليس قرارًا سهلًا، لكنه ضروري من أجل صحتكِ النفسية. لا توجد وصفة سحرية، لكن هناك خطوات علمية ومدروسة تساعدكِ على المرور من هذه المرحلة بأقل قدر من الألم. اسمحي لنفسكِ بالحزن، واقطعي التواصل، وابدئي من جديد باتّباع خطوات ثابتة. تذكّري دائمًا أن الوقت لا يُلغي المشاعر، بل يُعلّمنا كيف نتعامل معها بوعي. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ كيف تعرفين إن زواجك ينمو فعلًا؟
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن التعلّق العاطفي لا يقل خطورة عن أي إدمان نفسي. وأن الخلاص منه ليس ضعفًا، بل هو أعلى درجات القوة والنضج. تعلّمي أن تكوني مكتفية بذاتكِ، لأن من يحبكِ بصدق، لن يجعلكِ تتوسلين وجوده. عيشي التجربة، وتعلمي منها، ثم امضي بقوة نحو ما تستحقينه. فالحياة لا تتوقف عند أحد، بل تبدأ من جديد كلما قررتِ أن تعودي إلى ذاتكِ.