تُعَدّ دراسة العلاقة بين غازات الحمل وجنس الجنين من المواضيع التي تُثير فضول الكثير من النساء الحوامل، خصوصًا في الأشهر الأولى من الحمل. منذ زمن بعيد، انتشرت الكثير من المعتقدات الشعبية التي تربط بين نوع الغازات أو شدّتها وبين نوع الجنين. فهل تحمل هذه المعتقدات أساسًا علميًّا؟ أم أنّها مجرّد خرافات تُتداول بين الأمهات؟
في هذا المقال، نستعرض أحدث ما توصّلت إليه الأبحاث الطبيّة حول العلاقة بين غازات الحمل وجنس الجنين، ونكشف الحقيقة وراء هذه الفرضية. كما نسلّط الضوء على أسباب الغازات أثناء الحمل، والعوامل التي قد تُعزّزها، ودور الهرمونات فيها، بالإضافة إلى تفنيد أبرز الشائعات.
التقلّبات الهضمية خلال الحمل
تحدث الغازات المزعجة أثناء الحمل نتيجة تغيّرات هرمونية كبيرة، تبدأ منذ الأسابيع الأولى. يرتفع هرمون البروجسترون بشكل ملحوظ، مما يؤدي إلى ارتخاء العضلات الملساء في الأمعاء. نتيجة لذلك، تصبح حركة الجهاز الهضمي أبطأ، فيزداد التخمير داخل الأمعاء، وتُحبَس الغازات.
بالإضافة إلى ذلك، يكبر الرحم تدريجيًّا ويضغط على الأمعاء، مما يزيد من صعوبة الهضم ويُبطّئ مرور الطعام. لذلك، تُعاني أغلب الحوامل من الانتفاخ والتجشؤ والغازات، خاصة بعد تناول الوجبات الغنية بالألياف أو السكريات المعقدة.
لكن هل لهذه الغازات علاقة بجنس الجنين؟ من هنا، ننتقل إلى الفرضيات المطروحة والتجارب العلمية.
العلاقة بين غازات الحمل وجنس الجنين
في السنوات الأخيرة، حاولت بعض الدراسات الصغيرة استكشاف إمكانية وجود علاقة بين غازات الحمل وجنس الجنين. اعتمدت هذه الدراسات على ملاحظات ذاتية قامت بها الحوامل أنفسهن، حيث لاحظت بعض النساء وجود غازات شديدة عند حملهن ببنات، مقابل عوارض أقل عند الحمل بصبيان.
لكن للأسف، لم تثبت أي دراسة علمية موثوقة وجود علاقة سببيّة بين غازات الحمل وجنس الجنين. لا تزال هذه الفرضية في إطار الانطباعات الشخصية، والتي تتأثّر بعوامل نفسية وثقافية. إذ تختلف تجربة الحمل من امرأة لأخرى، ومن حمل لآخر، حتى عند المرأة نفسها.
وبحسب الأكاديمية الأمريكية لأطباء النساء والتوليد، لا يمكن اعتبار الغازات علامة دالّة على نوع الجنين. وذلك لأنّ الغازات مرتبطة بآليات هضمية وهرمونية لا ترتبط بالكروموسومات التي تحدد الجنس (XX للبنات وXY للأولاد).
تأثير جنس الجنين على جسم الأم
رغم غياب العلاقة المباشرة بين المعاناة من غازات الحمل وجنس الجنين، إلا أن هناك بعض الفروقات البيولوجية المثيرة التي تمّت ملاحظتها في دراسات حديثة. على سبيل المثال، وُجد أنّ الحوامل ببنات يُعانين غالبًا من غثيان صباحي أقوى، نتيجة ارتفاع نسبة هرمون hCG مقارنة بالحوامل بصبيان.
لكن في ما يتعلّق بالجهاز الهضمي والغازات تحديدًا، لم يُرصد فرق واضح بين الحمل بولد أو بنت. ويجمع الأطباء على أنّ شدة الغازات تعتمد على عوامل أخرى مثل النظام الغذائي، مستوى النشاط البدني، وتاريخ المرأة الهضمي.
إذا، فإنّ الربط بين الغازات وجنس الجنين يفتقر إلى الدليل العلمي الحاسم، ولا يمكن استخدامه كأداة موثوقة لتوقّع نوع المولود.
ما الأسباب التي تزيد الغازات خلال الحمل؟ وكيف تتعاملين معها؟
تُساهم عدّة عوامل في زيادة الغازات أثناء الحمل، منها:
- تناول أطعمة مُخمّرة مثل الملفوف، والعدس، والفاصولياء، والقرنبيط.
- شرب المشروبات الغازية بكمية كبيرة.
- بلع الهواء أثناء تناول الطعام أو الكلام.
- قلّة الحركة، خاصة بعد تناول الوجبة.
- الإمساك المزمن، وهو شائع بين الحوامل.
ولتخفيف هذه العوارض، يُفضَّل الالتزام بنصائح بسيطة، منها:
- تناول وجبات صغيرة ومتكررة بدلًا من وجبتين أو ثلاث كبيرات.
- مضغ الطعام ببطء وتجنّب الشرب أثناء الأكل.
- ممارسة رياضة خفيفة مثل المشي بعد الطعام.
- تجنّب الأطعمة المثيرة للغازات قدر الإمكان.
بالتزامكِ بهذه الإرشادات، يمكنكِ التخفيف من الانزعاج اليومي، بغضّ النظر عن جنس الجنين الذي لا علاقة له بهذه العوارض كما تؤكد الدراسات.
الخلاصة
غازات الحمل وجنس الجنين موضوع شيّق يجمع بين الطب والموروث الشعبي، لكنّه يستحق التوقّف عند الحقائق. تؤكّد الأدلة العلمية الحديثة أنّ الغازات ناتجة عن تغيّرات في الجهاز الهضمي بسبب الهرمونات، وليست علامة على نوع الجنين.
لذلك، من الأفضل للمرأة الحامل أن تعتمد على وسائل التشخيص الطبية الدقيقة، مثل فحص الموجات فوق الصوتية، أو فحص الحمض النووي في الدم، بدلًا من التكهّنات المبنية على عوارض قد تظهر في حالات مختلفة، ولا تمتّ بصلة لجنس الجنين. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن أسباب الحمل من دون وحام.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أجد أنّ موضوع “غازات الحمل وجنس الجنين” يكشف لنا كيف يمكن للموروثات أن تتسلّل إلى حياتنا اليومية وتؤثّر على قراراتنا العامّة والشخصيّة، حتى لو لم تكن مدعومة بأي دليل. من المهم، برأيي، أن نتعامل مع الحمل كمرحلة بيولوجية دقيقة تتطلّب الوعي والفهم والإدراك التام بتفاصيل الحمل وعلم جنس الجنين ، لا التأويلات والافتراضات الشعبيّة المتوارثة. نصيحتي لكِ أن تثقي بجسمكِ، وتتواصلي مع طبيبتكِ باستمرار، وأن تختاري المعرفة المبنية على العلم لا الخرافات التي تصدر عن اشخاص غير موثوقين بطريقة غير علميّة.
