في الأيام الأولى من حياة الطفل، تلاحظ العديد من الأمهات وجود البلغم عند الرضع حديثي الولادة، ما يثير مشاعر القلق والتساؤل. قد يبدو هذا البلغم مزعجًا أو حتى خطيرًا في بعض الأحيان، خاصة إن ترافق مع أصوات خنّة أو صعوبة في التنفس. لكن هل يُعدّ وجود البلغم أمرًا طبيعيًا في هذه المرحلة؟ أم أنه يُخفي خلفه مؤشّرًا لمشكلة صحية تستدعي التدخّل؟
في هذا المقال، سنوضح كل ما تحتاجين معرفته عن البلغم عند الرضع حديثي الولادة: أسبابه، ومتى يكون غير مقلق، ومتى يجب زيارة الطبيب. كما نستعرض العلامات التحذيرية التي لا يجوز تجاهلها، ونقدّم نصائح علمية للتعامل مع هذا البلغم بأمان وفعالية.
ما هو البلغم عند الرضع حديثي الولادة؟
يُقصد بالبلغم ذلك المخاط السميك الذي يُفرَز في المجاري التنفسية. يُنتج الجسم هذا البلغم كوسيلة دفاع طبيعية ضد الميكروبات أو المحفّزات. عند الرضع حديثي الولادة، يظهر البلغم بشكلٍ شائعٍ في أول أيام بعد الولادة نتيجة عدة عوامل فسيولوجية. أهمّها وجود بقايا سوائل جنينية في الرئتين والمجاري التنفسية، وهي سوائل يستنشقها الجنين داخل الرحم.

تفرز الرئة هذا البلغم لطرد هذه السوائل المتبقية، وغالبًا ما يزول تلقائيًا خلال الأيام الأولى من دون أي علاج. لذلك، يَعتبر الأطباء البلغم عند الرضع حديثي الولادة أمرًا طبيعيًا في حال عدم وجود علامات أخرى مقلقة.
متى يكون البلغم طبيعيًا ولا يدعو للقلق؟
يظهر البلغم عند حديثي الولادة في الحالات الطبيعية خلال الأيام الأولى من الولادة، ويستمر لبضعة أيام فقط. إليكِ أبرز الحالات التي لا تستدعي القلق:
- عدم وجود حرارة: طالما لا يرافق البلغم ارتفاع في درجة حرارة الجسم االطبيعيّة، يُعدّ الأمر غير خطير.
- الرضاعة الجيدة: إذا استمر الرضيع في الرضاعة بشكل طبيعي، فهذا يعني أن جهازه التنفسي يعمل بكفاءة.
- النوم الهادئ: في حال لم يؤثّر البلغم على نوم الرضيع أو يسبّب له اضطرابات متكررة، يمكن اعتباره عرضًا عابرًا.
- غياب الزرقة أو الشحوب: البشرة الوردية وعدم وجود علامات شحوب تشير إلى أنّ الأوكسجين يصل بشكل طبيعي للرئتين.
وفقًا لتوصيات الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال (AAP)، فإن وجود كمية قليلة من البلغم في الأسبوع الأول يُعتبر فسيولوجيًا ولا يستوجب تدخلًا طبيًا إذا لم يظهر أي عرض آخر مثل اللهاث أو التقيؤ المستمر.
متى يستوجب البلغم تدخّلًا طبيًا فوريًا؟
قد يتحوّل البلغم من عرض طبيعي إلى علامة إنذار في بعض الحالات. يُنصح بزيارة الطبيب فورًا في الحالات التالية:

- صعوبة في التنفس: في حال لاحظتِ تنفسًا سريعًا أو جهدًا واضحًا خلال الشهيق والزفير.
- أصوات صفير أو خنّة قوية: قد تكون علامة على انسداد في المجاري التنفسية.
- التوقف عن الرضاعة: إذا رفض الرضيع الرضاعة أو بدا مرهقًا جدًا.
- وجود حرارة مرتفعة: ارتفاع درجة الحرارة فوق 38 درجة مئوية يستدعي استشارة الطبيب.
- ازرقاق حول الفم: يدلّ على نقص الأوكسجين في الدم.
قد تُشير هذه العلامات إلى إصابة الرضيع بعدوى تنفسية مثل التهاب القصيبات الهوائية (Bronchiolitis). وهي حال شائعة في الشتاء، تسببها غالبًا فيروسات مثل RSV.
كيف يمكن التعامل مع البلغم في المنزل بأمان؟
إذا كان البلغم غير مقلق ولم يترافق مع عوارض خطيرة، يمكنكِ اتباع بعض الخطوات البسيطة لتخفيفه:
- استخدام المحلول الملحي: ضعي بضع قطرات في أنف الطفل لتليين المخاط، ثم استخدمي الشفاط الأنفي.
- رفع رأس الرضيع: اجعلي رأسه أعلى قليلًا أثناء النوم لتسهيل التنفس.
- المحافظة على رطوبة الهواء: ضعي جهاز ترطيب هواء في غرفة الطفل لتقليل جفاف الأغشية المخاطية.
- تجنّب التعرض للدخان أو العطور: قد تزيد هذه العوامل من إنتاج البلغم.
- مراقبة التنفس والنشاط: تابعي حال الطفل يوميًا ولا تتردّدي في طلب الاستشارة الطبية عند أي تغيير.
هل من علاقة بين البلغم وحساسية الحليب أو ارتجاع المريء؟
في بعض الحالات، قد يرتبط البلغم عند الرضع حديثي الولادة بمشاكل غير تنفسية. فمثلًا، قد يُعاني الطفل من ارتجاع المريء الصامت، حيث يصعد الحليب إلى البلعوم ويتسبّب بتحفيز إفراز البلغم. كذلك، قد تُشير كميات غير معتادة من البلغم إلى تحسّس تجاه بروتين الحليب البقري، خصوصًا إذا ترافق مع طفح جلدي أو إسهال.

ينصح أطباء الجهاز الهضمي للأطفال بإجراء فحص شامل إذا استمر البلغم لفترة طويلة أو ترافق مع عوارض هضمية.
الخلاصة
لا يُعَدّ وجود البلغم عند الرضع حديثي الولادة دائمًا سببًا للشعور بالقلق. في أغلب الأحيان، يكون ناتجًا عن أسباب طبيعية تزول مع مرور الأيام. لكن، يبقى الانتباه للعوارض المصاحبة أمرًا ضروريًا لتفادي أي مضاعفات. استشيري طبيب الأطفال دائمًا إذا شعرتِ أن حال طفلك غير طبيعية أو أنكِ غير مطمئنة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن سبب بكاء الطفل بدون سبب.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أعتبر أن الوعي والتثقيف هما السلاح الأقوى لكل أمّ جديدة. قد يبدو البلغم عند الرضع حديثي الولادة مقلقًا، لكن عندما تفهمين أسبابه وتفرّقين بين الطبيعي والمرضِي، تشعرين براحة أكبر وتتصرفين بثقة أكبر. أنصح كل أمّ بالاستماع إلى حدسها، لكن أيضًا بالاستناد إلى المعلومات الطبية الموثوقة قبل اتخاذ أي قرار. متابعة تنفّس الطفل وحركاته وتفاعله هي مؤشّرات مهمّة يجب عدم تجاهلها، ولكن لا داعي للفزع عند كل خنّة أو صوت غريب، فالأمومة رحلة مليئة بالتعلّم والخبرات اليومية.