قد يبدو نزول دم بعد العلاقة الزوجية أمرًا عابرًا، لكنه في بعض الأحيان يُعدّ مؤشرًا على وجود مشاكل صحية لا يجب تجاهلها. يحدث هذا النزيف لأسباب متعددة، تتراوح بين الحالات البسيطة مثل الجفاف المهبلي، وصولًا إلى مشاكل أكثر تعقيدًا كوجود التهابات أو أورام. يشعر الكثير من النساء بالخجل من التحدث عن هذا الموضوع، لكن فهم الأسباب ضروري لحماية الصحة النسائية.
في هذا المقال، سنتناول الموضوع بدقّة. سنُفسّر لكِ الأسباب المحتملة لحدوث النزيف بعد العلاقة الحميمة، متى يُعتبر عاديًّا، ومتى يتطلّب زيارة الطبيب. كما سنعرض أهم طرق التشخيص والعلاج.
ما هو النزف المهبلي بعد العلاقة؟
نزول دم بعد العلاقة الزوجية هو ظهور أي كمية من الدم من المهبل فورًا أو خلال ساعات من انتهاء العلاقة الحميمة. قد يكون الدم ورديًّا، وأحمر فاتحًا، أو بنيًّا غامقًا. ويظهر إما على الملابس الداخلية أو على الفوطة الصحية، أو يُلاحظ أثناء التنظيف بعد العلاقة.

في حالات معينة، يُعتبر هذا النزيف شائعًا نسبيًّا، خصوصًا بين النساء اللواتي يمررن بتغيرات هرمونية، أو بعد الولادة، أو خلال فترة ما قبل انقطاع الطمث. لكن في المقابل، يجب ألّا يُؤخَذ تكرار النزيف أو ظهوره من دون سبب واضح على محمل الاستهانة، بل يجب التحري عنه طبّيًّا.
الأسباب الشائعة لنزول الدم بعد العلاقة الزوجية
لكل نزيف مهبلي سبب محتمل، وبعض هذه الأسباب بسيطة وقابلة للعلاج بسرعة. بينما تُنذر أسباب أخرى بحالات أكثر تعقيدًا. إليكِ الأسباب الأساسية:
– الجفاف المهبلي ونقص الترطيب
يحدث غالبًا بسبب انخفاض هرمون الإستروجين، خاصة بعد الولادة أو مع التقدم في السن. يؤدي ذلك إلى هشاشة جدار المهبل، مما يجعله عرضة للتشققات.
– التهابات مهبلية مزمنة
تُعَدّ المعاناة من الكلاميديا، والسيلان، أو داء المشعرات من أكثر العدوى التي تُسبّب نزيفًا بعد العلاقة. وفق دراسة نُشرت في Journal of Infectious Diseases، فإن 25% من النساء المصابات بالتهاب غير مشخص يُعانين من نزف بعد الجماع.
– التهاب عنق الرحم (Cervicitis)
يُضعف الأنسجة ويُسبب ظهور شعيرات دموية هشة قد تنفجر بسهولة أثناء العلاقة.
– الزوائد اللحمية والأورام الحميدة
تنمو هذه الزوائد في عنق الرحم أو بطانة الرحم. غالبًا ما تكون غير سرطانية، لكنها تنزف بسهولة عند الاحتكاك.
– اضطرابات في عنق الرحم أو الرحم
مثل سرطان عنق الرحم، وهو من أخطر الأسباب الممكنة، ويُكتشف أحيانًا فقط من خلال نزيف ما بعد الجماع.
متى يُصبح نزول الدم مؤشرًا خطرًا؟
لا يُعدّ نزول دم بعد العلاقة الزوجية مقلقًا دائمًا، لكن هناك إشارات إنذار واضحة لا يجب تجاهلها:

- إذا تكرّر النزف أكثر من مرّتين خلال شهر.
- إذا ترافق مع رائحة كريهة أو إفرازات صفراء أو خضراء.
- إذا كنتِ بعد سن انقطاع الطمث.
- إذا شعرتِ بألم أسفل البطن، أو بضغط في الحوض.
- إذا لاحظتِ تغيرًا في دورتكِ الشهرية أو زيادة غير مبررة في النزيف.
تستوجب هذه العلامات استشارة فورية مع طبيبتكِ النسائية، وإجراء فحوصات للكشف عن السبب.
كيف يتمّ التشخيص؟ وما هي الخطوات التالية؟
يبدأ الطبيب أولًا بالسؤال عن التاريخ الطبي، ونمط العلاقة الحميمة، والتغيرات الهرمونية أو الدوائية.
ثم يُجري فحصًا داخليًّا لمنطقة المهبل وعنق الرحم، بالإضافة إلى:
- مسحة عنق الرحم (Pap smear): للكشف عن الخلايا غير الطبيعية أو العدوى الفيروسية.
- التصوير بالموجات فوق الصوتية (Sonography): لمعرفة حال الرحم والزوائد المحتملة.
- اختبار الالتهابات المهبلية: من خلال مسحة تُرسل إلى المختبر.
- تنظير عنق الرحم (Colposcopy): لرؤية الأنسجة الدقيقة بوضوح إذا لزم الأمر.
وبناءً على النتائج، يتم وصف العلاج المناسب، الذي قد يتراوح من استخدام مرطبات مهبلية، إلى مضادات حيوية، أو تدخل جراحي بسيط إذا كانت هناك زوائد أو أورام.
نصائح طبية لحماية نفسكِ والوقاية
من أجل تفادي نزول دم بعد العلاقة الزوجية، إليكِ بعض الإجراءات الوقائية المدروسة:

- احرصي على الترطيب الكافي قبل العلاقة، إمّا بشكل طبيعي عبر المداعبة، أو عبر مرطّبات مخصصة.
- عزّزي نظافتكِ الحميمة باستخدام منتجات خالية من العطور والمواد الكيميائية.
- راجعي طبيبتكِ دوريًّا، حتى في حال عدم وجود عوارض.
- تجنّبي العلاقات القاسية أو المؤلمة، لأنها قد تُسبّب جروحًا غير مرئية داخل المهبل.
- عالجي أي التهابات فورًا، لأن التأخير قد يُفاقم الحالة.
أكّدت دراسات منشورة في The Journal of Sexual Medicine أنّ إجراء الفحص الدوري يقلّل من مشاكل النزيف المهبلي بنسبة تصل إلى 60% بين النساء فوق سن 35.
الخلاصة
لا تُهملي أبدًا أي نزول دم بعد العلاقة الزوجية، حتى لو بدا بسيطًا. قد يكون السبب بسيطًا مثل الجفاف، لكنه أحيانًا يكون جرس إنذار لحال خطيرة. صحتكِ الحميمة جزء أساسي من رفاهيتكِ النفسية والجسدية. تجاهل العوارض لن يُبعد الخطر، بل يُمهّد له الطريق. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ كيف تتغلبين على الخوف من الزواج والعلاقة الزوجية وتبدئين حياة سعيدة؟
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أعتبر أن تجاهل العوارض الجسدية، مهما بدت صغيرة، هو من أكثر الأخطاء التي تقع فيها النساء. نزول دم بعد العلاقة الزوجية ليس من التفاصيل التي يمكن التغاضي عنها، بل هو ناقوس خطر يتطلب وعيًا واستجابة سريعة. يحمي التشخيص المبكر من مضاعفات مستقبلية، والعلاج السريع يمنع تفاقم الحال. لذلك، أدعوكِ لأن تكوني يقِظة لجسمكِ، متصالحة مع احتياجاتكِ، وألا تتردّدي أبدًا في طلب المشورة الطبية حين تشعرين بوجود أي خلل.