تصرخين أمام طفلك؟ اكتشفي كيف يتأثر دماغه في كل مرّة، حتى لو ظننتِ أن الأمر بسيط أو ناتج عن الشعور بالتوتر أو القلق فقط. قد لا تلاحظين آثار هذه الصرخة فورًا، لكن دماغ طفلك يسجل كل نبرة وكل انفعال. في هذا المقال، نكشف التأثيرات العميقة والمفاجئة التي تتركها الصراخات المتكررة على النمو العقلي والنفسي لطفلك.
في الفقرات التالية، سنعرض لكِ نتائج دراسات علمية دقيقة حول آثار الصراخ على الدماغ. كما نشرح ماذا يحدث في الجهاز العصبي لطفلك عند تلقيه الصراخ، ونوضح كيف يتغيّر سلوكه على المدى الطويل. بعدها، نقدّم لكِ خطوات فعّالة للتعامل مع الغضب من دون إيذاء طفلك نفسيًا.
1. التوتر العاطفي
يطلق الصراخ إنذارًا فوريًا داخل دماغ الطفل، فيشعر بخطر نفسي. عندما تصرخين، لا يفهم طفلك السبب دائمًا، بل يشعر بخوف مباغت. تشير دراسة من جامعة هارفارد (2014) إلى أن الأطفال الذين يتعرضون للصراخ المستمر يظهر لديهم نشاط زائد في منطقة الـ«أميغدالا» (Amygdala). وهي الجزء المسؤول عن معالجة الخوف والقلق.
لا يزول هذا التوتّر العاطفي بسرعة. بل قد يبقى الطفل في حالة يقظة دائمة وتوتر مستمر حتى بعد انتهاء الصراخ. للأسف، يؤدي ذلك إلى ارتفاع معدل الكورتيزول، وهو هرمون التوتر. ممّا يُبطِئ نمو خلايا الدماغ الجديدة، خاصّةً في المناطق المسؤولة عن التركيز والتعلّم.
وبالتالي، عندما تصرخين أمام طفلك، فأنتِ تزرعين داخله شعورًا بعدم الأمان، وتضعفين قدرته على التعامل مع المواقف بثقة واستقرار.
تطوّر الدماغ
يعطّل الصراخ المتكرّر تشكُّل الروابط العصبية السليمة. خلال السنوات الخمس الأولى من عمر الطفل، يتطور الدماغ بسرعة مذهلة. ولكن عندما يتعرض الطفل لصراخ دائم، تتغير بنية دماغه. حسب دراسة منشورة في مجلة Child Development، فإن الصراخ يؤثر سلبًا على نمو الفص الجبهي، المسؤول عن اتخاذ القرار وضبط الانفعالات.
هذا يعني أن الأطفال الذين يعيشون في بيئات مليئة بالصراخ، قد يواجهون صعوبة لاحقًا في حل المشاكل أو التحكم في أعصابهم. علاوةً على ذلك، تُضعف هذه البيئة القدرة على بناء المهارات الاجتماعية والتواصل بثقة.
بكلمات بسيطة، تصرخين أمام طفلك؟ اكتشفي كيف يتأثر دماغه، لأنه قد يتوقف عن التطور الطبيعي ويصبح أكثر عرضة للتوتر والانطواء والعدوانية.
ما الذي ينعكس عليكِ مباشرة؟
طفلك لا يعاندك، بل يعكس ما تعلّمه منك. عندما يتلقى الطفل الصراخ باستمرار، فإنه يبدأ في تقليد هذا السلوك. في دراسة من جامعة بيتسبيرغ (2013)، تبين أن الأطفال الذين تعرضوا للصراخ كانوا أكثر ميلًا إلى استخدام العنف اللفظي والجسدي مع أقرانهم في المدرسة.
الطفل لا يعرف كيف يُعبّر عن مشاعره، فيلجأ إلى ما تعلّمه: الصوت العالي، والغضب، والتهديد. وهنا تبدأ دائرة سلوكية سلبية يصعب كسرها. من جهة، تصرخين عليه لأنه تصرف بعدوانية، ومن جهة أخرى، يتصرف بعدوانية لأنه اعتاد على أسلوب الصراخ.
لهذا السبب، تصرخين أمام طفلك؟ اكتشفي كيف يتأثر دماغه، لأنك بذلك تعلمينه من دون وعي أن الصراخ هو الوسيلة الوحيدة للتعبير عن الذات.
كيف تتعاملين مع الغضب بدون صراخ؟
بخطوات بسيطة، تحمين دماغ طفلك وتحافظين على توازنك. أوّلًا، خذي نفسًا عميقًا قبل الرد. فقط ثلاث ثوانٍ قادرة على تهدئة موجة الغضب داخلك. ثانيًا، غيّري مكانك أو جلستك. أحيانًا، تغيير الوضع الجسدي يخفف التوتر العقلي. ثالثًا، استخدمي صوتًا منخفضًا وواضحًا. الأطفال يفهمون الحزم بدون صراخ.
كما يمكنك إنشاء “زاوية الهدوء” في المنزل، مكان يلجأ إليه الطفل أو أنتِ، عندما يصبح الغضب حاضرًا. هذا الأسلوب يعزّز مهارة التنظيم الذاتي عند الطفل.
ولا تنسي أن تتحدثي مع طفلك بعد التوتر. فسّري له ما حدث بهدوء، وطمئنيه أنكِ تحبينه، حتى لو أخطأ.
بهذه الطرق البسيطة، تبنين علاقة قوية تقوم على التفاهم لا على الخوف. وتتجنبين الأثر العميق الذي يُحدثه الصراخ على دماغه ونفسيته.
الخلاصة
تصرخين أمام طفلك؟ اكتشفي كيف يتأثر دماغه، لأن الأمر يتعدّى لحظة غضب عابرة. إنه يؤثر على مسار نموه، على طريقة تفكيره، على ثقته بنفسه، وحتى على مستقبله. كل صرخة قد تترك أثرًا طويل الأمد في قلبه قبل دماغه. لهذا، كوني الهادئة في عاصفة يومه. كوني صوته الداخلي الذي يعلمه كيف يواجه الحياة بهدوء لا بعنف. دماغ طفلك يتشكّل اليوم، ولا وقت لتعريضه للضغط من دون داعٍ. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن أسرار التربية السيئة.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أؤمن أن الأمومة ليست عن الكمال، بل عن الوعي العميق بمسؤولية المشاعر والكلمات التي نوجهها لأطفالنا. كلنا نمرّ بلحظات ضعف، ونفقد أعصابنا أحيانًا أمام ضغوط الحياة اليومية، وهذا أمر طبيعي لا يجب أن نشعر حياله بالذنب المستمر. لكن، ما يهم حقًا هو قدرتنا على التوقف، مراجعة تصرفاتنا، والالتزام بالتعلّم المستمر لكيفية حماية أطفالنا من الأثر النفسي العميق للكلمات والانفعالات غير المحسوبة. فكل كلمة تُقال وكل تصرّف يُشاهده الطفل يرسخ في ذاكرته العاطفية، ويبني طريقته الخاصة في التعامل مع نفسه والعالم من حوله. تعلّمي أن تكوني صوته الآمن، لا صدى الخوف بداخله، وكوني النموذج الذي يعلّمه كيف يواجه الصعوبات بحكمة وهدوء. لأن الأم التي تصمت للحظة، تتنفس بوعي، وتختار كلماتها بلطف، هي التي تزرع في طفلها بذور الثقة، والمرونة، والسلام الداخلي الذي يحتاجه ليكبر قوياً ومتوازناً في عالم مليء بالتحديات.
