أعيش مع زوجي من أجل أولادي، كم من المرّات سمعنا هذه الجملة من زوجات يخفن اختيار الانفصال حتى لا يؤثّرن على استقرار أولادهنّ.
إنّ اتخاذ قرار الطلاق ليس بالأمر السهل، خاصّة عندما يكون هناك أولاد. فالانفصال له عواقب عديدة على الأمّ نفسها وعلى أطفالها: في حال وقوع الطلاق ستمرّ المرأة بفترة حداد على الحياة العائليّة التي رسمتها في خيالها ولكنّها لم تستمرّ، فالطلاق سيف ذو حدّين على المرأة. أما بالنسبة للأطفال، فلن تعود الأمور كما كانت ولن يعيش والداهم معًا ومعهم تحت سقفٍ واحد. فتختار بعض النساء البقاء مع أزواجهنّ خوفًا من الصدمة التي قد يتعرّض لها الأطفال بسببهن ما سيولّد لديهنّ شعورًا بالذنب. فهل فعلًا تُجنّب الأمّ أطفالها الحزن والحسرة إذا اختارت البقاء مع زوجها فقط من أجلهم؟ سنعرض في هذا المقال سيناريوان، وكيفيّة تأثير كلّ منها على الأطفال.
الحالة الأولى: بقاء الزوجة والتظاهر بأن كل شيء على ما يُرام
تفضّل المرأة، في بعض الحالات، عدم مناقشة الأمور التي قد تؤذي زواجهما وتبقى صامتة. ولكن في هذه الحالة، التي يعتبرها المرشدون الأسريّون “الأسوء على الإطلاق”، لا يمكن لوم الزوج لأنه لا يعرف بمعاناة زوجته. ويترّب على البقاء في زواج غير سعيد من أجل الأطفال فقط عواقب عدّة.
ولا تُدمّر المرأة بذلك نفسها فقط، بل ينتهي بها الأمر الى لوم أطفالها على تعاستها، الأمر الذي قد يؤدّي إلى علاقة سامة بين الأمّ وأطفالها على المدى البعيد.
ووفق المعالجون النفسيّون، في حال أجبرت المرأة نفسها على البقاء، سيعاني الأطفال من الوضع، لأنّهم يشعرون أن والدتهم ليست على ما يرام، ولن يشعروا لا بالأمان الأسري ولا بالسعادة. وتجدر الإشارة هنا الى أنّ نظريّة التّعلق لدى الطفل تُشدّد على أن الأمن العاطفي ضروري لنموّ الطفل الصحي.
من ناحيةٍ أخرى، إذا بقي الوالدان معًا فقط بسبب الأطفال، سيزداد التوتّر بينهما مع الوقت، وهذا أسوء بالنسبة للطفل، الذي لا يجب أن يعيش في بيئة قائمة على الـ”صراع”. وبما أنّ أحد أكثر أسباب الخلاف بين الأهل هو على طريقة تربية الأطفال. سيظنّ الطفل أنّه سبب المُشكلة بين والديه، ولدى سماعه أنّهما لا يتفقان على أمر يخصّه سيشعر بالذنب. لذلك يجب دائمًا طمأنته أن لا ذنب له بعدم توافق والديه.
مصدر الصورة: Freepik
الحالة الثانية: اختيار الأمّ البقاء وتوضيح الأمور
يُشدّد المعالجون النفسيّون أنّ صعوبات العلاقة الزوجيّة ليست مُشكلة الأطفال، وعلى الوالدين محاولة التغلب عليها، من دون أن ينشغل الأطفال بها. كما ينصح المستشارون الأسرين بأن تظلّ الخلافات والصراعات بين البالغين بعيدة عن الأطفال. فالصراع هو مصدر الضرر لنمو دماغ الطفل.
إذا اتّخذت المرأة هذا القرار، عليها أوّلًا توضيح الموقف مع شريكها وإيجاد توازن وتنظيم جديد في العلاقة والمنزل. فإذا توصّلا للإتّفاق، تصبح الأمور واضحة لكليهما ويمكنهما اخبار الأطفال بذلك، مع الأخذ بعين الإعتبار عمرهم وقدرة استيعابهم. بهذه الطريقة، سيفهم الطفل بشكل أفضل أن والديه لديهما الآن غرف منفصلة مثلًا، وإذا رأى أن هذا الأمر سيسمح باستعادة الانسجام في المنزل ووحدة الأسرة، فسوف يطمئنّ.
إذا نجحا بهذه التجربة وتمكّنا من التعايش، أي اذا عرفا كيفية تجنب المواضيع المزعجة، وتنظيم حياتهما الجديدة، قد ينجحون في تجنّب النتائج السلبيّة على الصحّة النفسيّة لأطفالهما. ولكن، يوضح معالجون نفسيّون، أنّه ليس دائمًا من السهل القيام بذلك لأنه يتعيّن على الزوجان التواصل الدائم والاتفاق على العديد من النقاط العمليّة لحياتهما اليوميّة، والأمور التي تخصّ تربية الأولاد. ووضع أسس لهذا الوضع الجديد بينهما.
مصدر الصورة: Freepik
ما هو الحلّ الأنسب استنادًا الى الحالة؟
تؤكد الدكتورة آن رينود بوستيل، عالمة النفس والطبيبة النفسيّة الفرنسيّة، ومؤلفة كتاب “الأمن العاطفي للطفل”، أن الأطفال بحاجة للعيش في بيئة مُستقرّة ومتماسكة وآمنة حتى يتمكنوا من النموّ. وما يهم الأطفال بالدرجة الأولى هو كيف يعاملهم والديهم، وكيف يتعاملان أمامهم.
وانطلاقًا من القيم العائليّة القويّة لدينا، ليس من الخطأ أن تحاولي بذل الجهود، للاستمرار بالعيش في منزل واحد لضمان توحّد الأسرة، خاصّةً الى كان الزوج يشاركك الآراء والعمل على نجاح هذه الخطوة. ولكن هناك خط رفيع بين الجهد والمعاناة. فإذا شعرتي أنّك الوحيدة التي تبذل الجهد دائمًا، ستبدأ معاناتك. لذلك من المهم وضع شروط واضحة، والحديث عنها بانتظام مع زوجك. وليس من الأنانيّة أبدًا أن تتراجعي عن قرارك بالبقاء من أجل الأطفال إذا لم تعد لديك القوة لمواجهة الموقف.
وتقول رينود إنّه من الأفضل لكما كزوجين الإنفصال بذكاء والقدرة على تعبئة أدواركما في حياة أطفالكما معًا من أجل مصلحتهم، بدلاً من إجبار نفسك على البقاء مع زوجك، بحجّة مصلحة الأطفال وتعريضهم لخلافاتكما الدائمة. لذلك، على الرغم من أن قرار الانفصال هو مؤلم وصعب بطبيعة الحال، إلا أنه في بعض الأحيان يكون الحل الأفضل حتّى للأطفال. خاصّة اذا استعنت بذوي الاختصاص لتحقيق طلاق ناجح من دون تأثير على الأطفال.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، لا أحد يستطيع أن يفهم ظروف حياتك الزوجيّة والظروف المحيطة بها. فأنت الوحيدة القادرة على اتّخاذ قراراتك، ولكن أنصحك باستشارة مُتخصّصين بما يتعلّق بالصحّة النفسية لك ولأطفالك، والعودة الى تجارب المطلّقات بعد الطلاق قبل اتّخاذ أي قرار.