بات التعرّف على كيفية التعامل مع الطفل بعد انفصال الابوين قضية حسّاسة تستدعي اهتمام الوالدين. إذ تؤثّر هذه المرحلة على التكوين النفسي والعاطفي للطفل، وقد تترك آثارًا طويلة الأمد إن لم يتعامل معها الأهل بشكلٍ صحيح. يُعَدّ انفصال الأبوين من أصعب التحدّيات التي قد يمرّ بها الطفل، إذ قد يشعر بالارتباك والحزن والخوف من المجهول. فحين يفترق الوالدان، يعيش في حال من عدم الاستقرار النفسي. ممّا قد يؤثر على ثقة الطفل بنفسه وإحساسه بالأمان.
في هذا المقال، سنناقش أفضل السبل والأساليب للتعامل مع الطفل في مرحلة ما بعد الانفصال، مستندين إلى دراساتٍ نفسيّةٍ وعلميّةٍ حديثة. سنتناول طريقة إخبار الطفل عن الانفصال، كما سنستعرض بعض التأثيرات النفسيّة المحتملة عليه. بالإضافة إلى توجبه نصائح علميّة لدعمه وتوفير بيئة صحيّة ومستقرّة له.
كيف أفاتح طفلي بالانفصال؟
بالحديث عن كيفية التعامل مع الطفل بعد انفصال الابوين ، لا بدّ من تناول موضع الاعتراف لهم أوّلًا. حيث تُعَدّ اللحظة التي يُفاتَح فيها الطفل بقرار الانفصال من أصعب اللحظات على الوالدين. هنا، يجب أن يتحلّى الأهل بالصبر والصدق عند إعلامه باتّخاذ هذا القرار. يُنصَح بإخبار الطفل بأسلوبٍ بسيط، حيث تساعد الصراحة في تقليل شعوره بالذنب أو الخوف. ويُفضَّل أن يجتمع الوالدان معًا لإيصال الخبر للطفل، حتى يشعر بالدعم والتكامل في حديثهما. وذلك حرصًا على دور الأسرة في الصحة النفسية للطفل وكيفية تطويره.
ومن المهم في هذه المرحلة استخدام عباراتٍ مطمئنة لتأكيد أنّ الانفصال لا يعني فقدان الحبّ أو الرعاية. على سبيل المثال، يمكن للوالدين القول: “نحن نحبّك وسنظل دائمًا إلى جانبك، ولكنّنا سنعيش في منزلين مختلفين.” باستخدام هذه الجمل، يمكن مساعدة الطفل على استيعاب الوضع الجديد بدون مواجهة مشاعر الخوف أو القلق. علاوةً على ذلك، يجب على الوالدين تجنّب لوم بعضهما أمام الطفل. فقد يولّد هذا التصرّف لديه مشاعر الحيرة والانحياز، ممّا يزيد الأمور تعقيدًا.
ماذا يحدث للطفل عند انفصال والديه؟
بالحديث عن كيفية التعامل مع الطفل بعد انفصال الابوين ، من الطبيعي التساؤل عن أضرار اتّخاذ هذا القرار عليه. حيث يتأثّر بشكلٍ كبير ٍعند حدوث الطلاق. أوّلًا، قد يبدأ بالشعور بالخوف وعدم الأمان؛ فالبيئة التي كان يعتقد أنّها ثابتة باتت تتغيّر بطريقةٍ غير متوقَّعة. وتظهر الأبحاث أنّ الأطفال قد يعانون من اضطراباتٍ في النوم والشهية، وقد يعبرون عن توتّرهم بشكلٍ عدواني أو عن طريق الانطواء على أنفسهم. بالإضافة إلى ذلك، يلاحظ البعض تراجع الأداء الدراسي لدى الطفل بسبب تشتّت التركيز الذي يواجهه وشعوره المستمرّ بالقلق.
بعبارةٍ أخرى، إنّ انفصال الأبوين يعرّض الطفل لتحدّياتٍ قد تؤثّر على تطوّره العاطفي والاجتماعي. وبالتالي، يجب على الوالدين العمل معًا لتوفير بيئة مستقرّة وداعمة. يمكنهما معًا مساعدة الطفل على التعبير عن مشاعره من خلال ممارسة أنشطة بسيطة كالرسم أو اللعب. حيث تمنحه هذه الوسائل مساحة للتعبير عن مشاعره بطرقٍ غير لفظيّة. إلى جانب ذلك، يحتاج الطفل إلى التأكيد الدائم على أنّ الانفصال لا يؤثّر على حب والديه له، وأنّهما سيواصلان تقديم الرعاية اللازمة.
هل أطفال المطلقين أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب؟
بعد التعرّف على كيفية التعامل مع الطفل بعد انفصال الابوين ، قد يُطرَح سؤال: هل أطفال المطلقين أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب؟ وفقًا للعديد من الدراسات النفسيّة، فإن الأطفال الذين يشهدون انفصال والديهم قد يكونون أكثر عرضةً للإصابة بالاكتئاب والقلق مقارنةً بأقرانهم. فالتغييرات المفاجئة في حياة الشخص تجعله يفقد الشعور بالأمان، وهذا الأمر قد يترك بصمات نفسيّة واضحة على شخصيّته.
رغم ذلك، تظهر الأبحاث من ناحيةٍ أخرى أنّ الحصول على الدعم العاطفي والاهتمام المتواصل من قبل الوالدين يمكن أن يقلّل بشكلٍ كبيرٍ من فرص تعرّض الطفل للقلق أو الاكتئاب. علاوةً على ذلك، يتّضح أن ّاللجوء إلى مختصّين نفسيّين عند ظهور أيّ علامات للاضطراب النفسي لدى الطفل يُعَدّ خطوةً إيجابيّةً وفعّالةً في مساعدته على التغلّب على هذه المشاعر. يُشدّد الخبراء على أنّ الاستشارة النفسيّة تساعد الطفل على فهم وتجاوز مشاعره بشكلٍ صحّي. ممّا يساهم في الحفاظ على استقراره النفسي.
في النهاية، يظلّ انفصال الأبوين تجربةً صعبة، لكنه لا يعني بالضرورة أن الطفل سيعاني من آثار سلبية دائمة. إذ يمكن للوالدين اتّخاذ خطوات فعّالة لتقليل التأثيرات السلبيّة، وتوفير بيئة داعمة وآمنة للطفل، حتّى يتمكّن من تجاوز هذه المرحلة بنجاح. لا شك أنّ كيفية التعامل مع الطفل بعد انفصال الابوين تتطلّب تفهمًا وصبرًا من الوالدين، واستعدادًا لتقديم الحب والدعم اللازمين في أيّ وقت. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وأخبرناكِ اذا طلبت الزوجة الطلاق لمن تكون الحضانة في الشرع؟
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ التفهّم والدعم النفسي هما المفتاح الأساسي لمساعدة الطفل في مرحلة ما بعد الانفصال. فكلّما استشعر الاستقرار العاطفي والدعم المستمرّ من قبل والديه، أصبح قادرًا على التغلّب على مخاوفه. إنّ الحب والاهتمام المستمران يمنحان الطفل القوّة والثقة. ممّا يعزّز من شعوره بالأمان ويساعده في بناء شخصيّة قويّة ومستقرّة.