بدأت الصين تطبيق قرارها اعتبارًا من شهر سبتمبر. حيث أصبح تعليم الذكاء الاصطناعي إلزاميًا لكافة الطلاب من المرحلة الابتدائية حتى نهاية المرحلة الثانوية. ما يلفت الانتباه هو أن هذا التعليم لا يقتصر على المفاهيم النظرية فقط، بل يدمج الأنشطة التفاعلية والمشاريع التطبيقية داخل الصفوف. أطفال بعمر الست سنوات لا يكتفون بتعلّم ما هو الذكاء الاصطناعي، بل يخوضون تجارب بسيطة توضح كيفية عمله.
وبينما يدرس الأطفال المبادئ الأولى، تتعمق المراحل الأعلى في مجالات متقدمة. مثل تعلم الآلة، والروبوتات، وتحليل البيانات. كل ذلك ضمن بيئة تعليمية مصممة لتحفيز التفكير التحليلي والابتكار وتعزيز ذكاء الطفل.
كيف دمجت الصين الذكاء الاصطناعي في مناهجها؟
لم تُضف الصين الذكاء الاصطناعي كمادة منفصلة فحسب. بل دمجته ضمن مناهج موجودة مثل الرياضيات والعلوم، بهدف تعزيز المفاهيم من خلال ربطها بتطبيقات واقعية. على سبيل المثال، عندما يتعلم الطلاب العمليات الحسابية، يطبقونها في تصميم خوارزميات بسيطة. وعند دراسة الفيزياء، يحاكون مبادئ الحركة عبر برمجة روبوتات.

هذا التكامل لا يجعل المادة مجرد إضافة نظرية، بل يجعل من الذكاء الاصطناعي أداة لفهم المواد الأخرى بشكل أعمق وأكثر تفاعلية. وبهذا الشكل، يصبح التعليم أكثر حيوية، ويحفّز الطالبات والطلاب على التفكير النقدي وحل المشاكل.
لماذا اتخذت الصين هذه الخطوة الآن؟
لم تنتظر الصين حتى تتحول التقنية إلى أمر واقع مفروض، بل قررت أن تزرع جذورها منذ الآن. في عالم تسوده الأتمتة والبيانات، ترى الحكومة الصينية أن الأطفال يجب أن يتقنوا منذ صغرهم أدوات هذا العصر. تمامًا كما تعلّمتِ أنتِ الحروف والأرقام في سنواتكِ الأولى.
ببساطة، لم تعد مهارات الحفظ كافية، بل المطلوب هو تنمية التفكير المنطقي، والقدرة على البرمجة، وفهم الخوارزميات. وبدل أن تتعامل الأجيال القادمة مع الذكاء الاصطناعي كمجهول، تسعى الصين إلى جعله مألوفًا منذ اليوم الأول في المدرسة.
الفوائد المتوقعة من هذا التعليم المبكر
من خلال تعليم الذكاء الاصطناعي في عمر مبكر، تبني الصين جيلًا يمتلك مهارات تحليلية وتقنية متقدمة. الطالبات والطلاب يطوّرون قدرة عالية على الإبداع وحل المشاكل، ويستعدون لوظائف المستقبل التي تعتمد بشكل أساسي على التقنيات الذكية.
كما يساعد هذا التعليم في تقليص الفجوة التكنولوجية بين المدن الكبرى والمناطق الريفية، لأنه يُقدَّم في جميع المدارس من دون استثناء. وبالتالي، لا يصبح الذكاء الاصطناعي حكرًا على النخبة، بل يتحول إلى حق تعليمي للجميع.
ماذا عن الدول العربية؟ هل نتأخر؟
بينما تُنفّذ الصين هذا المشروع الضخم، لا تزال العديد من الدول العربية تناقش إدخال التكنولوجيا في التعليم بشكل عام. لكن الواقع يفرض تسريع وتيرة التطوير، لأن الفجوة تزداد كل يوم. فالجيل القادم لن ينافس محليًا فقط، بل سيدخل في سباق عالمي يحتاج إلى عقول مدرّبة منذ الطفولة.
أنتِ اليوم، كامرأة عربية، لكِ دور كبير في الضغط باتجاه تحديث المناهج، ومطالبة المدارس بإعداد أطفالكِ لعالم الذكاء الاصطناعي. فالأمر لا يتعلق بالتكنولوجيا فقط، بل يرتبط بفرص العمل، ومستقبل الاقتصاد، وتقدّم المجتمع ككل.
لا يُعدّ الذكاء الاصطناعي رفاهية تعليمية، بل على العكس، يشكّل ضرورة فرضها العصر بقوة. لهذا السبب، اتخذت الصين خطوة واضحة وجريئة، ومن ثم، أحدثت فرقًا حقيقيًا قد يُعيد رسم ملامح المستقبل بالكامل. وبالتالي، لا تنتظري أن تتغير السياسات من تلقاء نفسها. بل على العكس، شاركي في الحوار، وادعمي بقوة إدماج الذكاء الاصطناعي في التعليم. لأن في النهاية، هذا هو المفتاح الحقيقي نحو جيل يتمتع بوعي أعمق وإبداع أكبر. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن إدراج إحدى أصعب اللغات في المناهج الدراسيّة السعوديّة يجمع بين حضارتين مختلفتين تمامًا!
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن هذه الخطوة الصينية بالفعل تُجسّد الوعي الحقيقي بمستقبل البشرية. ولذلك، أؤمن بأن التعليم القائم على الذكاء الاصطناعي لا يهدف فقط إلى تحفيظ معلومات، بل يسعى أيضًا إلى بناء عقل ناقد ومبدع. ومن هنا، أعتقد أن الوقت قد حان كي تبدأ وزارات التربية في عالمنا العربي فورًا بإعادة النظر في المناهج. لأن ببساطة، من يتأخر في مواكبة هذا التغيير، يخسر موقعه في سوق المستقبل، ولا يجد له مكانًا بين الدول الرائدة.