متى يكون بكاء الطفل رسالة عليكِ فهمها فورًا؟ سؤال يتكرّر في ذهن كلّ أم، خاصّةً في الأشهر الأولى من حياة طفلها. البكاء هو لغة الرضيع الأولى، فهو لا يستطيع أن يتحدث أو يعبّر بالكلمات، فيلجأ إلى البكاء ليُخبركِ بشيء ما. أحيانًا يكون السبب بسيطًا كالجوع أو البلل، وأحيانًا أخرى يكون البكاء علامة تنبيه للمعاناة من مشكلة صحية أو عاطفية تستدعي انتباهكِ الفوري.
في هذا المقال، سنشرح الحالات التي يُعدّ فيها بكاء الطفل أمرًا طبيعيًا، وسنركّز على الأوقات التي يتحوّل فيها هذا البكاء إلى رسالة تحذيرية. سنتناول الأسباب العضوية والنفسية المدعومة بأبحاث علمية. كما سنقدّم لكِ دليلًا عمليًا لفهم إشارات طفلكِ بشكل أفضل.
متى يكون البكاء طبيعيًا؟
في البداية، من الضروري أن تعرفي أن معظم الأطفال يبكون يوميًا. وفقًا لدراسة نُشرت في Journal of Pediatrics، يبكي الأطفال حديثو الولادة بين ساعة إلى ثلاث ساعات يوميًا، وذلك في الشهور الثلاثة الأولى. هذا البكاء غالبًا ما يكون بسبب أسباب طبيعية، مثل:
- الجوع
- الحاجة إلى تغيير الحفاض
- الرغبة في النوم
- الرغبة في الحنان أو الملامسة
هذه الأنواع من البكاء لا تستدعي الشعور بالتوتّر أو القلق غالبًا. عندما تبكين الطفل ويهدأ فورًا بعد تلبية احتياجه، فغالبًا يكون السبب بسيطًا.
متى يكون بكاء الطفل رسالة عليكِ فهمها فورًا؟
لكن، متى يكون بكاء الطفل رسالة عليكِ فهمها فورًا؟ تكون هذه الحال عندما يترافق البكاء مع علامات مقلقة، أو عندما يصبح متكرّرًا بطريقة غير معتادة، أو عندما لا يهدأ رغم تلبية الحاجات الأساسية.
أبرز العلامات التي يجب أن تنتبهي لها:
- استمرار البكاء لساعات طويلة من دون سبب واضح
- تغيّر في نبرة البكاء (كأن يصبح عاليًا جدًا أو ضعيفًا جدًا)
- البكاء مع ارتفاع في الحرارة أو صعوبة في التنفس
- البكاء مع تغيّر في لون الجلد أو فقدان الشهية
- أن يكون الطفل هادئًا جدًا طوال اليوم ثم يبدأ فجأة في البكاء الشديد من دون سبب واضح
تُعتبَر جميع هذه الحالات رسائل تحتاج إلى فهم وتصرّف سريع. وهنا، دوركِ كأم لا يقتصر على التهدئة، بل يتطلّب مراقبة دقيقة وتحليل دقيق للوضع.
الأسباب العضوية لبكاء مقلق
في بعض الأحيان، يكون البكاء مؤشرًا على مشكلة صحية. وتشير الدراسات إلى أن البكاء الشديد قد يكون عرضًا لأحد الأسباب التالية:
- الالتهابات: كالتهاب الأذن أو المسالك البولية. يظهر عادة من خلال بكاء مفاجئ ومتكرّر، خاصّةً أثناء النوم.
- الغازات والمغص: حال شائعة جدًا في أول 3 أشهر. لكن إن ترافق البكاء مع تيبّس في الجسم وصراخ شديد، فقد يكون المغص مؤلمًا بدرجة تتطلّب تدخّل الطبيب.
- الارتجاع المريئي: يعاني منه بعض الرضّع، ويظهر من خلال بكاء شديد أثناء أو بعد الرضاعة، مع قذف الحليب وصعوبة في النوم.
- الحساسية من الحليب: خاصّةً عند الأطفال الذين يتناولون الحليب الصناعي، وتُلاحظ من خلال الطفح الجلدي، التقيؤ أو الإسهال مع البكاء.
هذه الحالات تستدعي تدخلًا طبيًا سريعًا لتفادي مواجهة أيّ مضاعفات.
الأسباب النفسية والعاطفية
ليس فقط الألم الجسدي ما يجعل الطفل يبكي. بل حتى الأطفال الرضّع يشعرون بالوحدة، والتوتر، والقلق. بحسب دراسة منشورة في Infant Mental Health Journal، يؤثر غياب الحنان أو التفاعل الإيجابي من الأم على الاستقرار العاطفي للطفل. عندما يشعر الطفل بالإهمال أو القلق، قد يلجأ إلى البكاء المتواصل كوسيلة تعبير.
ومن هنا، متى يكون بكاء الطفل رسالة عليكِ فهمها فورًا؟ يكون أيضًا عندما يشعر الطفل بالقلق الداخلي أو التغيير في الروتين أو البيئة من حوله. قد يكون بسبب سفر مفاجئ، أو تغيير في الأصوات، أو حتى الشعور بتوتّر عاطفي يعيشه أحد الوالدين.
كيف تتصرّفين حينها؟
الخطوة الأولى هي البقاء هادئة. الأطفال يشعرون بطاقة الأم. ثم:
- افحصي علامات التعب أو الجوع أو الحاجة إلى تغيير الحفاض.
- احملي طفلكِ وامنحيه ملامسة جسديّة دافئة.
- جرّبي تقنية التهدئة بالتأرجح أو الصوت الأبيض أو تدليك البطن بلطف.
- إن لم يهدأ، راقبي العلامات الحيوية (الحرارة، والرضاعة، والتقيّؤ).
- استشيري الطبيب إن شعرتِ أن هناك خطبًا ما.
متى تطلبين المساعدة الطبية؟
عليكِ طلب المساعدة الطبية فورًا في الحالات التالية:
- بكاء مستمر لأكثر من 3 ساعات يوميًا من دون توقف
- حرارة مرتفعة أو حرارة منخفضة جدًا
- خمول غير طبيعي
- قيء متكرّر أو دم في البراز
- رفض الرضاعة لأكثر من 8 ساعات
في هذه الحالات، لا تكتفي بتهدئة الطفل بل يجب زيارة الطبيب بشكل فوري.
في النهاية، متى يكون بكاء الطفل رسالة عليكِ فهمها فورًا؟ يكون ذلك عندما يترافق البكاء مع علامات غير معتادة، أو لا يهدأ رغم محاولاتكِ. في هذه اللحظة، يجب أن تنتبهي جيدًا وأن تتحركي بسرعة. فالطفل لا يملك وسيلة للتعبير إلا البكاء، وأنتِ الجسر بين حاجته والراحة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن الطعام الذي تتناولينه والذي قد يُبكي رضيعكِ ساعات متواصلة!
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن على كل أم أن تطوّر مهارة الاستماع العميق لبكاء طفلها. فالأمر لا يتطلّب فقط قلبًا حنونًا، بل عينًا ملاحِظة وعقلًا واعيًا. الأم الواعية لا تهرع مع كل بكاء، ولكنها لا تُهمل أي علامة غير عادية. من هنا تبدأ الأمومة الحقيقية: من الإدراك بأن صوت البكاء هو رسالة.. لا بدّ من فهمها فورًا.
